تحقيقات

قصة الفساد العراقي 2

قصة الفساد العراقي 2

علي البستنجي

في مطلع عمر حكومته قرر حيدر العبادي ان يفتح جبهة حرب الفساد مع الارهاب معا.. صرّح بأعداد الجنود الفضائيين وفساد الجيش والقوات الامنية الذي عدّه سببا رئيسا لسقوط المدن.. فاثار زوبعة من النقاش في الساحة المحلية..

تناقضت التصريحات بين خزانة فارغة تسلمها (ينظر خطابات العبادي مطلع العام 2015 في كربلاء المقدسة وفي عدد من الفعاليات ببغداد) وبين ما انفقته الحكومة السابقة على دعاياتها السياسية وتجميل صورتها من المال العام مستغلة في ذلك امتناع البرلمان عن اقرار الموازنة العامة للدولة في العام 2014.

اتخذت الحكومات من ستار داعش ذريعة لتأجيل حربها مع الفساد.. ورغم ان المظاهرات العارمة التي اجتاحت البلاد صيف العام 2015 وحتى منتصف العام 2016 قد ارغمتها على اجراء تعديلات وزارية اقصت بعض الوجوه القديمة.. غير ان الحال لم يتغير.. فالمتورطون بعمليات الفساد ازدادوا وعياً بطرق الاحتيال.. وغاب عن المحققين الادلة الملموسة.. كما تورط البعض منهم في الصمت حيال ملفات عديدة مقابل أجر معلوم..

لم تغير النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين المنتشرة في الوزارات كافة من الواقع شيئا.. بل اصبحت جزءا من المشكلة لا الحل.. ورغم انها تعلن بين الحين والاخر عن الاطاحة برؤوس جديدة.. غير انها لا تلق بالا للتقارير التي تنشرها وسائل الاعلام ومواقع التواصل عن تورط شخصيات نافذة في الدولة بملفات خطيرة.. تبخرت تقارير لجان تحقيقية في قضية سقوط الموصل والرز الفاسد والبنوك والاختلاس والرشاوى التي تلقاها ضباط كبار في وزارات مختلفة، وملف النازحين الذي ضاعت بفعله اموالا قدرت قيمتها بنصف مليار دولار، واختارت الجهات النافذة تسوية هذه القضايا بعيدا عن اعين الاعلام..

انتهى ضجيج الحملات بطريقة غير واقعية.. صار الجميع متفقون على اولوية الخيار العسكري والانتصار في الحرب على داعش ثم الالتفات للفساد.. الحكاية الاولى انتهت في صيف العام الفين وسبعة عشر مع استعادة الموصل.. فجاء دور العبادي ليقول انه عند وعده فيما يتعلق بهذه الجزئية.. ودعا في مؤتمراته الصحفية الاسبوعية وفي حفل تخرج جامعة بغداد الى التعاون معه لانجاز المهمة..

اخذت الحكومة على عاتقها مهمة تطهير المطارات والمنافذ الحدودية من هذا الوباء.. لكنها اصبحت ازاء معركة طاحنة مع القوى المهيمنة عليها شمالا.. ومع احزاب متنفذة في الوسط والجنوب (قضية مطاري بغداد والنجف انموذجا) فبقيت القضية تراوح مكانها..

في كانون الاول الفين وسبعة عشر اعتقل الانتربول وزير التجارة الاسبق فلاح السوداني الهارب من قبضة العدالة في بيروت.. ثم اعاده بعد شهر مخفورا الى بغداد.. حكمت المحكمة بسجنه لاحدى وعشرين سنة.. صورة رآها البعض ذرا للرماد في العيون.. وآخرين حذروا من ان يكون السوداني مجرد كبش فداء لصراعات القوى الكبرى..

وضعت هيئة النزاهة خارطة طريق لمكافحة الفساد عام الفين وثمانية عشر.. لم يتحمس الكثيرون للفكرة.. بل راحوا يبحثون عن اقصر الطرق التي تعيدهم الى البرلمان بمكاسب اكبر في الحصاد الانتخابي عند ايار المقبل..

لم يتبين من هذا الغبار الذي اثارته التصريحات بشأن مواجهة الفساد غير شيء واحد.. فالجميع اتخذوا منها جسرا عابرا لتحقيق مكاسب ليس الا.. ولا ندري ان كانت اية حكومة مقبلة قادرة على الاتيان بوصفة سحرية لمعالجة الظاهرة؟ ام ستتخذها مرة اخرى وسيلة للصياح والتجاذب لانتزاع المكاسب.؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى