قصة الفساد العراقي (1)
قصة الفساد العراقي (1)
علي البستنجي
انه الثاني من اب عام الف وتسعمائة وتسعين..
الدبابات العراقية تغزو شوارع الكويت.. فيصحو العالم على بلد يلتهم جيرانه.. ثم تأتي عاصفة الصحراء لتحرق كل شيء امامها.. الانسان والارض والقوة العسكرية…….
انتهت العاصفة.. ولكن آثارها المدمرة لم تنته.. حصار وعقوبات دولية.. وحبال الدكتاتورية تجرّ البلاد نحو المجهول…..
في حقبة التسعينيات المظلمة.. عشعش الجوع في الثنايا.. وازداد ضنك الحياة.. رافق هذا تداع في اسس الادارة النزيهة.. فحان دور الرشوة “المشرعنة”.. أما الصفقات المشبوهة فكانت من نصيب السلطة فقط..
في الفين وثلاثة كان الغزو.. العلقم الذي تجرعه العراقيون للخلاص من الدكتاتورية.. لكنه لم يكن الوصفة المناسبة للشفاء من امراض الفساد.. بلبدا وكأنه حبل انقاذ للفاسدين القدامى.. والماء الذي ارتوت به البراعم الناشئة (إن جاز تسميتها بالبراعم)…
كان صيف ذلك العام فوضويا.. فلا رقابة ولا سلطة.. وراح الامريكيون يعالجون الاخطاء المتراكمة بأخطاء افدح.. جرى اعادة الكثير من الادارات السابقة باستثناء البعثيين.. كما ان عودة غالب الموظفين الى دوائرهم لم تستند الى رؤية تقييمية، فمرتشي الامس رجعوا وقد اختلف الحال.. فالاموال زادت.. وهم في مأمن من العقاب..
أسندت سلطة الائتلاف مناصب مهمة وخطيرة لشخصيات معروفة بالفساد.. فأصبحت مقدرات الدولة مبددة ومنهوبة عند سائر المستويات..
في العام الفين وخمسة.. عُلم ان حازم الشعلان الذي تولى حقيبة الدفاع.. وأيهم السامرائي وزير الكهرباء قد سرقا اموالا بالجملة.. صفقات تسليح واخرى لتحسين الطاقة.. انتهتا عند هذين.. ولم ينالا العقاب.. بل جرى تأمين ممر الهرب لكليهما.. فأغلقت ابواب القضية..
بدا للاطراف الحاكمة ان القيام بأي جهد لتطويق الفساد خير من التفرج على المشهد.. تأسست هيئة النزاهة منذ العام الفين وثلاثة.. الاستقلالية التي رفعت الهيئة شعارها لم تغير في معادلة التأثر بالضغط السياسي الرهيب.. فاصبحت مجرد يافطة دون محتوى..
قرر الامريكيون الرد بصمت على عمليات النهب.. وتورط بعض المقاولين في صفقات مشبوهة.. كان الوضع الامني قد أعطى الذريعة للسكوت الحكومي.. ولم يتضمن برنامج اول حكومة منتخبة جرى تشكيلها عام الفين وخمسة سوى اشارات خجولة الى الفساد الذي لم يسلط الاعلام الضوء عليه بشدة وقتها..
في العام الفين وثمانية كانت اللوحة الامنية قد اكتست بالوان زاهية.. بدت الحكومة اكثر ثقة بينما رئيسها نوري المالكي يعلنه عاما للقضاء على الفساد.. انتهى العام بفضيحة مدوية بطلها وزير التجارة عبد الفلاح السوداني.. وكان الخيار التهريب بدل المحاسبة.. فبدا الخطاب اقرب لدغدغة المشاعر منه الى الواقع..
طوت السنوات الثماني احتلالا اميركيا للعراق.. مع ختام العام الفين واحد عشر، لكن المؤشرات أبقت على ارتفاع الفساد.. ولم تسجل الاعوام (2011-2012-2013) تحسنا على صعيد مؤشر الشفافية العالمي .. بيئة بدت خصبة للتلاعب والاختلاس.. وهدر الاموال.. تناهى الى المسامع ان حجم المهدور من الاموال العراقية وصل الى (800) مليار دولار.. وثمة تقارير اخرى تفيد بصعود الرقم الى اكثر من (ترليون) من الدولارات..
لم تؤت الاستراتيجية الزراعية ولا الصناعية أكلهما، فحجم المستورد اكبر بكثير من المنتج.. وقد اصبحت الدولة امام مشهد المزارع الهارب في هجرة عكسية الى المدينة والعامل الذي يكلفها اكثر مما ينتج (تشير احصاءات مصنع البطاريات مثلا الى انه انتج في عام واحد 150 بطارية سائلة لكن حجم ميزانيته تعدى ثمن 10 الاف).
جاء العام الفين واربعة عشر فاتحا الابواب لمتغيرات فظيعة.. بسطت تنظيمات ارهابية السيطرة المطلقة على مراكز ثلاث محافظات ارضا ومقدرات.. فانتهى عمر حكومتين ترأسهما نوري المالكي.. وجاء حيدر العبادي محملا بتركة ثقيلة..
يتبع