مقالات

الشائعات.. سلاح الإرهاب

بقلم: صادق كاظم
للشائعات تأثيرها السلبي في أوقات الحروب والأزمات، فهي
تعطي انطباعا لدى الطرف المستهدف بها بالهزيمة واليأس والاحباط وعدم جدوى
الاستمرار في القتال والمقاومة، اذ تعمل على تفكيك الجيوش وايهام الشعوب
بالاندحار.
الشائعات واحدة من الأسلحة الفتاكة التي لا تقل خطورة عن الأسلحة التقليدية
فهي توهن الصفوف وتشعر الجميع بالعجز وتجر مكونات الشعوب نحو الخصومة
والاقتتال.
ولا شك ان الشائعات النفسية هي احدى الأساليب التي لجأت إليها “داعش” بكثرة
في هذه الأيام لتغطية هزائمها وخسائرها الثقيلة عبر توظيف مواقع التواصل
الالكتروني بمختلف مسمياتها لتمرير مقاطع فيديو مزيفة مع اخبار تتحدث عن
انتصارات مزعومة وعن سيطرة تامة على مواقع ومدن لم يكن لعناصر “داعش” أي
وجود فيها اصلا.
هذا الأسلوب الدعائي الخطير يستغل بداهة الذهنية العربية والعراقية التي
تتسارع الى تلقف كل ما ينزل على مواقع التواصل الاجتماعي والميل الى
التصديق بها بسرعة من دون التمحيص والتدقيق بمضمونه ودوافعه، وهو ما يفسر
للأسف مسارعة سكان بعض المناطق في الرمادي إلى مغادرة مدنهم وبسرعة كبيرة
صوب العاصمة بغداد وبأعداد غفيرة رغم أن مدنهم ومناطقهم لم تشهد تهديدا
جديا خطيرا.
مواجهة مثل هذه الأساليب الداعشية الإعلامية تحتاج إلى دراسة وافية وتخصصية
لهذه الأساليب وتوظيف خبرات إعلامية تكون بمثابة جيش إعلامي مساند للحكومة
يتعامل بالمثل مع اساليب “داعش”, حين يتحرك بسرعة لإحباط هذه المخططات
الاعلامية وتقديم صورة واضحة ومباشرة عن الاحداث بواقعية وخبرة صحيحة
اساسها المصداقية ودحض اكاذيب وشائعات “داعش”.
كانت الشائعة من وسائل “داعش” التي اعتمدتها أثناء ظهورها في العراق, حيث
اسهمت الشائعة مع تعاون خفي من قبل بعض الخونة والمتآمرين على البلاد في
حصول “داعش” على بعض المكاسب على الارض عقب أحداث العاشر من حزيران الماضي
بينما أسهمت بطولات الحشد الشعبي وبالتعاون مع قواتنا الأمنية الباسلة في
شن هجمات سريعة مضادة ادت الى الحاق الهزيمة الفادحة بـ”داعش” وهروبها
السريع من المواجهة, حيث يفضل عناصر “داعش” هذا الاسلوب الانهزامي على
المواجهة والموت, اذ لا فائدة هنا للشائعات وتضخيم الاكاذيب حول بطولات
زائفة ليس فيها مكان سوى للجرائم الوحشية وعمليات التقطيع والتمثيل بالجثث
وعمليات سبي لنساء ضعيفات واطفال تائهين ليس لهم حول او قوة.
هناك حالة خطيرة تؤشرها العملية السياسية تتمثل بعدم ضبط السياسيين
العراقيين لأعصابهم, حين يسارعون متأثرين بمشاهد “داعش” السينمائية
الهوليودية بإطلاق التصريحات وتبادل الاتهامات فيما بينهم بأسلوب يشجع
“داعش” على الاستمرار بهذه الخدع والأكاذيب السينمائية التي تخدمه,
في وقت يفترض بالسياسيين من
وزراء ونواب وقادة سياسيين التأكد من صحة المعلومات ومراجعة المختصين بها
قبل الادلاء بتصريحات تصب الزيت على نار الخلافات والازمات المشتعلة أصلا.
مواجهة “داعش” في حربها الالكترونية تحتاج الى جبهة سياسية واجتماعية
متماسكة ومتوافقة مع بعضها البعض، جبهة لا يذهب فيها بعض السياسيين الى
عواصم الدول الأخرى المجاورة ليطلبوا من حكامها حمايتهم متجاهلين ومتجاوزين
رصيدهم الشعبي من القوات الذي حطم أسطورة “داعش”.
من يزور مواقع التواصل الاجتماعي لن يصاب بأية دهشة وهو يرى المتخاصمين
والاصدقاء من مختلف مكونات الشعب العراقي يتبادلون ثنائية الاتفاق
والاختلاف السلبي وليس الايجابي ولا يقفون موقفا موحدا فيما بينهم كما فعل
البريطانيون أثناء حرب فوكلاند عام 1982, عندما غزا الجيش الأرجنتيني ارض
جزيرة فوكلاند, حيث تخلى المعارضون عن معارضتهم وتوقفت الصحف عن انتقاد
رئيسة الحكومة وقتها تاتشر وحمل الجميع بنادقهم وذهبوا مع الأسطول
البريطاني يقفون مع جيشهم بدلا من انتقاده أو تسقيطه.
في العراق لم نجد مثل هذا المشهد ولم نسمع اهازيج الجميع وهي تتغنى بحمل
السلاح ومحاربة “داعش” ولم نشاهد السياسيين العراقيين باستثناء القلة قد
ذهب متأبطا سلاحه ليقاتل في صفوف الحشد الشعبي والقوات الأمنية , بل للأسف
وجدنا سياسيين يطلقون التصريحات النارية المسمومة ويشككون ببطولة ونزاهة
منتسبي القوات الامنية والحشد الشعبي باستخدام عبارات تسيء لتضحيات هؤلاء
الجنود الأبطال وكأن هذا السياسي الذي يتقاضى من ميزانية الدولة العراقية
رواتبه الضخمة وسياراته المصفحة، هو أمير في “داعش” وليس سياسيا عراقيا
مخلصا لوطنه يفترض أن يقف إلى جانب أبناء شعبه وجيشه.
إن الإبقاء على اجواء الانقسام والاحتراب والاختلاف تسود مفاهيم الحوار
سيشجع وبكل تأكيد على بقاء “داعش” على ارض العراق فترة أطول مما هو متوقع
وسيهدر وقتا ثمينا لمقاتلتها وهزيمتها, حيث يفترض ان تكون هناك خطط سريعة
ومحكمة ودقيقة مدعومة بغطاء شعبي وسياسي لتحرير مناطق الانبار والموصل
وجنوب كركوك بعد ان أثبتت الأوضاع الميدانية أن استبعاد الحشد الشعبي من
ارض المعركة امرا ليس صائبا وفيه مجازفة كبيرة في ظل عدم قدرة فرق الجيش
والشرطة على تغطية جميع ميادين القتال الشاسعة والتي تصل إلى آلاف
الكيلومترات.
كما يفترض وضع خطة ستراتيجية كبيرة لعمليات متزامنة بعدة صفحات لتحرير
الأراضي العراقية المحتلة وفي مختلف الجبهات وفي آن واحد مع تهيئة الوسائل
اللوجستية والاستفادة من العدد الكبير لهذه القوات والمناورة بها بشكل سريع
في مسارح العمليات بإسناد من قوات المشاة الرئيسية في الجيش والشرطة
الاتحادية مع تنفيذ عمليات إنزال خلف خطوط “داعش” لقطعها ومنعها من تقديم
المساندة وحصر وعزل المتبقي منها في داخل المواقع التي تتم مهاجمتها ومن ثم
تدميرها، أما الإبقاء على حال الارتجال ومسايرة “داعش” والانجرار وراء
الهجمات التي تقوم بها فيعد ذلك خطأ تكتيكيا وستراتيجيا قاتلا واستنزافا
خطيرا يفترض بالسيد القائد العام للقوات المسلحة ومعاونيه من كبار القادة
تجنبه وتفاديه, خصوصا وان الاعتماد على الضربات الجوية لطائرات التحالف
وحدها لم يعط ثماره المتوقعة سريعا. صحيح ان هذه الغارات دمرت الكثير من
قدرات “داعش” الا أنها لم تنجح في قطع خطوط إمداداتها او شل قدراتها على شن
هجمات في داخل الأراضي العراقية والسورية.
حتى الآن لم نشاهد برنامج عمل مشترك بين اكثر من 20 فضائية عراقية محلية
لانتاج برامج مشتركة خاصة بمحاربة “داعش” اعلاميا وبث تلك البرامج لساعات
طويلة كجزء من واجبها الوطني في التصدي للارهاب ومشاركة منها في الحرب على
“داعش” باعتبار ان خطر “داعش” يهدد جميع العراقيين من دون استثناء. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى