مقالات

التفريط بالإجماع الوطني

بقلم: د.جاسم بديوي
 تشير الدلائل إلى أن تنظيم “داعش” قد أفاد من حالة
التذمر التي عاشها الشارع (السني) إبان ما كان يعرف بمظاهرات (ساحة العزة
والكرامة) في الأنبار والموصل, كما انه استطاع – أي التنظيم – كسب حالة
الغليان التي بدأ المنظمون بتصعيدها ونجح بالأخذ بزمام المبادرة بعد أن
فسحت القوى المعترضة على الحكومة العراقية هناك له المجال بعقد اتفاقات غير
رسمية مع فصائل إرهابية مسلحة أخرى في العراق وبعض زعماء العشائر في تلك
المناطق التي فتحت الأبواب على مصاريعها لسيطرة “داعش” على مناطق عديدة في
حزيران الماضي.
وبعد أن تمكن التنظيم الارهابي من بسط سيطرته أخل بالاتفاقات وفرض البيعة
بالقوة على تلك التنظيمات ودخلت في مواجهات مسلحة مع بعضها كما حدث في
سوريا بعد اصطدام التنظيم بجبهة النصرة التابعة للقاعدة ونتج عن ذلك قتل
أهم رجل في التنظيم الذي يشاع أنه المؤسس الحقيقي له والمدعو (حجي بكر).
ويؤكد كثير من المهتمين بشؤون التطرف أن من أسباب تضخم تنظيم “داعش” هو عدم
إصغاء المسؤولين في حكومة بغداد آنذاك إلى الصوت السني الذي نجح الأميركان
باحتوائه وضمه لصفوف الحكومة في مقاتلة تنظيم القاعدة بمشروع الصحوة الذي
أتت نتائجه إيجابية في إضعاف القاعدة وإنهاكها إلى درجة انحسار أعضائها في
خلافة “أبو عمر البغدادي” إلى أقل من ثلاثمئة شخص فقط على شكل خلايا جامدة
(نائمة) وكان بالإمكان استثمار هذه المكتسبات وإنهاء خطر التنظيمات الأخرى
فيما لو كانت هناك رؤية تستطيع استيعاب هذه الفصائل في مشروع سياسي فعال,
ولا سيما بعد انسحاب القوات الأميركية وبقاء مشروع الصحوة بصيغه
البيروقراطية تحت رحمة القرارات غير العلمية وغير المدروسة, ما جعله عرضة
للاستهداف والتحجيم.
كان عامل التوقيت حاسما ومهما في نجاح مشروع الصحوة في ذلك الوقت بعد
استغلال الاحتقان الشعبي ضد تنظيم القاعدة, وكان الإجماع الوطني خيارا
متاحا وكانت هناك رغبة جادة في التصدي للقاعدة وقبول الآخر الرافض لوجود
القاعدة.
الظروف نفسها أراها تتكرر والفرصة لا تزال سانحة لتجيير الإجماع الوطني
وتوجيهه لصنع جبهة ضد “داعش”, هذه ليست أحلام كاتب وإنما يمكن أن تصبح
أفعالا حقيقية بعد أن نتعلم الإصغاء إلى الصوت الآخر وعدم تخوينه بالمجمل.
كما ان على الآخر المعترض أن يكون واقعيا وأن يعي أن سقف الانفصال قد لا
يلبي طموحاته, لا سيما أنه كان ناتجا عن ردة فعل أو انفعال مناطقي أو
طائفي, وأن يبذل جهودا أكثر وأكبر للاندماج مع جهود الاستقرار وهو ما يطمح
إليه الجميع في آخر المطاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى