مقالات
التخبّط الأميركي وتوسع الحرب
بقلم: ترجمة – أنيس الصفار
ينبغي ألا تكون مفاجأة لأحد أن تجتمع
الولايات المتحدة بشركائها في التحالف للتباحث في توسيع دائرة الحرب ضد
“دولة داعش” إلى خارج حدود العراق وسوريا، لأن الحروب التي تتجه إلى التوسع
أوشكت أن تصبح عادة في السنوات الأخيرة إذ تتمدد الصراعات العسكرية وتتوسع
من دون أن يتنبه للأمر أو يناقشه أحد. فتلك التي أطلق عليها الرئيس “جورج
دبليو بوش” تسمية “الحرب على الإرهاب” ابتدأت في أفغانستان ثم زحفت نحو
العراق ومن هناك تحركت إلى أماكن أخرى. واليوم يستمر الرئيس أوباما في نشر
القوات الأميركية والسلاح بعد مرور أربع عشرة سنة على هجمات 11 أيلول
لمحاربة القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرّفة في أنحاء متباعدة من العالم
من بينها باكستان.
لقد سلّطت المعركة ضد “داعش” جلّ تركيزها على العراق وسوريا حيث تمكنت
الجماعة من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض وأسست لنفسها حضوراً
قويّاً.
بيد أن بعض الأعضاء الإقليميين في التحالف المعادي لـ “داعش”، والمؤلف من
أكثر من 60 دولة وفقاً لما أورده تقرير صحيفة التايمز، باتوا يضغطون الآن
على الإدارة الأميركية لنقل المعركة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى التي
أعلنت نفسها “ولايات” لدولة
“داعش”.
هذا الكلام قد يعني، من الناحية النظرية، أن الولايات المتحدة والتحالف
يمكن أن ينفذوا عمليات في ليبيا، حيث أرسلت “داعش” عدداً محدوداً من
مقاتليها للعمل على تنظيم نشاطات المتشدّدين.
كذلك قد يعني التحرّك ضد “أنصار بيت المقدس” وهي جماعة إرهابية تدعمها
“داعش” تنشط في شبه جزيرة سيناء وتثير قلقاً شديداً لمصر. ويقدّر مسؤولو
المخابرات أن لدى “داعش” ما يقارب 31500 مقاتل في سوريا والعراق، وكذلك
بضعة مئات أخرى من المتطرّفين في الاردن ولبنان والسعودية وبلدان أخرى
غيرها أعلنت دعمها وتأييدها بشكل غير
رسمي لـ “داعش”.
من الضروري جداً أن تجري مناقشة أي توسع إضافي في الحملة ضد “داعش” وغيرها
من الجماعات المتشدّدة بشكل دقيق ومفتوح من قبل واشنطن وشركائها في
التحالف. أحد الأسباب الداعية إلى ذلك أن من الخطر وضعف الحكمة افتراض أن
“الفروع” التي تعلن دعمها لـ “داعش” تكون خاضعة لسيطرة التنظيم أو أنها
تسمح له بمشاركتها في مواردها أو أن باستطاعتها تقليد براعاته التي لا تعرف
الرحمة. كثير من هؤلاء لا يستطيعون فعل ذلك، وسوف يرتكب التحالف غلطة
خطيرة إذا ما تعامل مع كافة الجماعات الفرعية على أساس أنها تمثّل الدرجة
ذاتها من
الخطر.
المشكلة على أي حال أعقد بكثير من مجرد ملاحقة “داعش” وفروعها، فهناك أخطار
عديدة تعصف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وتزعزع استقرارها.
هذه الأخطار لا تنحصر بالجماعات المتشدّدة فقط (التي قد ينضوي بعضها تحت
لواء داعش أو لا ينضوي) بل تشمل تلك الصراعات الطائفية العصيّة الثابتة رغم
مرور الزمن، بالاضافة إلى الانهيار شبه الكامل لسلطة الحكومة والنظام
العام في بعض الدول الفاشلة مثل اليمن وليبيا. كل ذلك يجعل التوصل إلى
ستراتيجية (وربما ستراتيجيات) فعّالة متماسكة للتعامل مع هذه التحدّيات أشق
وأصعب.
الشيء الواضح والمثبت هو أنه على الرغم من امتلاك أميركا القدرة على تولي
دور قيادي في هذا الجهد، وهو ما ينبغي عليها عمله بالفعل، فإن المسؤولية
الرئيسية في مواجهة الجماعات المتطرّفة ووضع نهاية للحروب الطائفية مودعة
بين أيدي دول المنطقة، بما فيها السعودية وإيران، وهذا يملي على تلك الدول
أن تنحي خصوماتها جانباً وتتعاون مع بعضها كي تساهم بقدر أكبر في المعركة.
كذلك يتطلب الأمر من كثير من هذه الدول إجراء إصلاحات داخلية في بلدانها
لأن الفكر المتطرّف وأساليب الحكم القمعية هي التي تخلق البيئة المنتجة
للتطرّف.هوّن مسؤول في البنتاغون من احتمال اتساع رقعة الحرب، ولكن مجرّد
طرح الموضوع للمناقشة كافٍ لجعله أكثر من مسألة عابرة بالنسبة لجمهور سئم
الحرب وكرهها. انتشار التطرّف سوف يكون الموضوع المحوري لعدد من اللقاءات
التي ستعقد خلال الأشهر القليلة المقبلة، من بينها لقاء قمّة للزعماء العرب
دعا إليه الرئيس أوباما خلال الشهر الحالي ولقاء بين القيادات العسكرية
للتحالف تشرف عليه القيادة الوسطى للولايات المتحدة.
لقد سعى الرئيس أوباما بشكل أو بآخر الى تقليص الدور الأميركي في المعركة
ضد “داعش” وذلك من خلال رفضه إرسال قوّات بريّة والاكتفاء، في بادئ الأمر،
بحصر المشاركة العسكرية الأميركية في العراق بالضربات الجوية وحدها وإبقاء
مستوى القوات منخفضاً إلى الحد الذي يكفي لتوفير المعلومات الاستخبارية
والمساعدة في تدريب الوحدات العراقية وإمدادها بالمشورة. إلا أنه منذ ذلك
الوقت رفع من مستويات القوات الأميركية في العراق كما وسّع رقعة العمليات
الجويّة فجعلها تشمل سوريا. كذلك طلب أوباما مؤخراً من الكونغرس المصادقة
على تشريع يمنحه، وخلفه من بعده، ما يبدو وكأنه تفويض مفتوح بشن الحرب على
“داعش والأشخاص والقوى التي ترتبط بها”.لقد تخلف الكونغرس كثيراً في وضع
معايير حازمة تحول دون تخبّط أميركا كالعمياء في مستنقع جديد، ولكن الأمر
المحزن هو أن الكونغرس يبقى عاجزاً، أو غير قادر، على التصدي لهذا الموضوع
رغم أن الإدارة ماضية بتأمل إمكانية توسيع الاشتباك.
*عن صحيفة نيويورك تايمز
ينبغي ألا تكون مفاجأة لأحد أن تجتمع
الولايات المتحدة بشركائها في التحالف للتباحث في توسيع دائرة الحرب ضد
“دولة داعش” إلى خارج حدود العراق وسوريا، لأن الحروب التي تتجه إلى التوسع
أوشكت أن تصبح عادة في السنوات الأخيرة إذ تتمدد الصراعات العسكرية وتتوسع
من دون أن يتنبه للأمر أو يناقشه أحد. فتلك التي أطلق عليها الرئيس “جورج
دبليو بوش” تسمية “الحرب على الإرهاب” ابتدأت في أفغانستان ثم زحفت نحو
العراق ومن هناك تحركت إلى أماكن أخرى. واليوم يستمر الرئيس أوباما في نشر
القوات الأميركية والسلاح بعد مرور أربع عشرة سنة على هجمات 11 أيلول
لمحاربة القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرّفة في أنحاء متباعدة من العالم
من بينها باكستان.
لقد سلّطت المعركة ضد “داعش” جلّ تركيزها على العراق وسوريا حيث تمكنت
الجماعة من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض وأسست لنفسها حضوراً
قويّاً.
بيد أن بعض الأعضاء الإقليميين في التحالف المعادي لـ “داعش”، والمؤلف من
أكثر من 60 دولة وفقاً لما أورده تقرير صحيفة التايمز، باتوا يضغطون الآن
على الإدارة الأميركية لنقل المعركة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى التي
أعلنت نفسها “ولايات” لدولة
“داعش”.
هذا الكلام قد يعني، من الناحية النظرية، أن الولايات المتحدة والتحالف
يمكن أن ينفذوا عمليات في ليبيا، حيث أرسلت “داعش” عدداً محدوداً من
مقاتليها للعمل على تنظيم نشاطات المتشدّدين.
كذلك قد يعني التحرّك ضد “أنصار بيت المقدس” وهي جماعة إرهابية تدعمها
“داعش” تنشط في شبه جزيرة سيناء وتثير قلقاً شديداً لمصر. ويقدّر مسؤولو
المخابرات أن لدى “داعش” ما يقارب 31500 مقاتل في سوريا والعراق، وكذلك
بضعة مئات أخرى من المتطرّفين في الاردن ولبنان والسعودية وبلدان أخرى
غيرها أعلنت دعمها وتأييدها بشكل غير
رسمي لـ “داعش”.
من الضروري جداً أن تجري مناقشة أي توسع إضافي في الحملة ضد “داعش” وغيرها
من الجماعات المتشدّدة بشكل دقيق ومفتوح من قبل واشنطن وشركائها في
التحالف. أحد الأسباب الداعية إلى ذلك أن من الخطر وضعف الحكمة افتراض أن
“الفروع” التي تعلن دعمها لـ “داعش” تكون خاضعة لسيطرة التنظيم أو أنها
تسمح له بمشاركتها في مواردها أو أن باستطاعتها تقليد براعاته التي لا تعرف
الرحمة. كثير من هؤلاء لا يستطيعون فعل ذلك، وسوف يرتكب التحالف غلطة
خطيرة إذا ما تعامل مع كافة الجماعات الفرعية على أساس أنها تمثّل الدرجة
ذاتها من
الخطر.
المشكلة على أي حال أعقد بكثير من مجرد ملاحقة “داعش” وفروعها، فهناك أخطار
عديدة تعصف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وتزعزع استقرارها.
هذه الأخطار لا تنحصر بالجماعات المتشدّدة فقط (التي قد ينضوي بعضها تحت
لواء داعش أو لا ينضوي) بل تشمل تلك الصراعات الطائفية العصيّة الثابتة رغم
مرور الزمن، بالاضافة إلى الانهيار شبه الكامل لسلطة الحكومة والنظام
العام في بعض الدول الفاشلة مثل اليمن وليبيا. كل ذلك يجعل التوصل إلى
ستراتيجية (وربما ستراتيجيات) فعّالة متماسكة للتعامل مع هذه التحدّيات أشق
وأصعب.
الشيء الواضح والمثبت هو أنه على الرغم من امتلاك أميركا القدرة على تولي
دور قيادي في هذا الجهد، وهو ما ينبغي عليها عمله بالفعل، فإن المسؤولية
الرئيسية في مواجهة الجماعات المتطرّفة ووضع نهاية للحروب الطائفية مودعة
بين أيدي دول المنطقة، بما فيها السعودية وإيران، وهذا يملي على تلك الدول
أن تنحي خصوماتها جانباً وتتعاون مع بعضها كي تساهم بقدر أكبر في المعركة.
كذلك يتطلب الأمر من كثير من هذه الدول إجراء إصلاحات داخلية في بلدانها
لأن الفكر المتطرّف وأساليب الحكم القمعية هي التي تخلق البيئة المنتجة
للتطرّف.هوّن مسؤول في البنتاغون من احتمال اتساع رقعة الحرب، ولكن مجرّد
طرح الموضوع للمناقشة كافٍ لجعله أكثر من مسألة عابرة بالنسبة لجمهور سئم
الحرب وكرهها. انتشار التطرّف سوف يكون الموضوع المحوري لعدد من اللقاءات
التي ستعقد خلال الأشهر القليلة المقبلة، من بينها لقاء قمّة للزعماء العرب
دعا إليه الرئيس أوباما خلال الشهر الحالي ولقاء بين القيادات العسكرية
للتحالف تشرف عليه القيادة الوسطى للولايات المتحدة.
لقد سعى الرئيس أوباما بشكل أو بآخر الى تقليص الدور الأميركي في المعركة
ضد “داعش” وذلك من خلال رفضه إرسال قوّات بريّة والاكتفاء، في بادئ الأمر،
بحصر المشاركة العسكرية الأميركية في العراق بالضربات الجوية وحدها وإبقاء
مستوى القوات منخفضاً إلى الحد الذي يكفي لتوفير المعلومات الاستخبارية
والمساعدة في تدريب الوحدات العراقية وإمدادها بالمشورة. إلا أنه منذ ذلك
الوقت رفع من مستويات القوات الأميركية في العراق كما وسّع رقعة العمليات
الجويّة فجعلها تشمل سوريا. كذلك طلب أوباما مؤخراً من الكونغرس المصادقة
على تشريع يمنحه، وخلفه من بعده، ما يبدو وكأنه تفويض مفتوح بشن الحرب على
“داعش والأشخاص والقوى التي ترتبط بها”.لقد تخلف الكونغرس كثيراً في وضع
معايير حازمة تحول دون تخبّط أميركا كالعمياء في مستنقع جديد، ولكن الأمر
المحزن هو أن الكونغرس يبقى عاجزاً، أو غير قادر، على التصدي لهذا الموضوع
رغم أن الإدارة ماضية بتأمل إمكانية توسيع الاشتباك.
*عن صحيفة نيويورك تايمز