مقالات

دبلوماسية {الأف 16}

بقلم: صادق كاظم
 حصول العراق على وعد أميركي بتسليمه طائرات مقاتلة من
طراز اف – 16 خلال صيف العام الحالي يؤشر نجاح السيد العبادي بإقناع
الأميركيين بمنح العراق سلاحا جويا فاعلا ومتطورا يستعين به في الحرب على
“داعش” ويعيد ثقة الأميركيين بالجيش العراقي الذي تخلت عنه واشنطن بعد ان
تركت عملية تحديثه وتطوير اسلحته منذ ان غادرت الجيوش الأميركية ارض العراق
في العام 2010 بعد تعهد واشنطن بالاستمرار بعملية تدريب الجيش العراقي
وتطويره لاحقا، وهو الأمر الذي لم يستمر بسبب الخلاف السياسي الداخلي
ووجود لوبي محلي كان يسعى الى تقنين العلاقة مع واشنطن الى ادنى مستوى ممكن
ورافقه ميل اميركي رسمي من قبل ادارة اوباما بتضييق العلاقة مع بغداد رغبة
من واشنطن ورئيسها الديمقراطي بطي صفحة الحرب ومحاولة تجاوز آثارها في
الداخل الاميركي والاهتمام بالملف الأفغاني وهو ما يفسر الرد الأميركي
الضعيف والمتأخر على الهجمات التي شنتها عصابات “داعش” الإرهابية على
الموصل في العام الماضي وما تبع ذلك من أحداث مؤسفة ليست على العراق فحسب,
بل على سائر دول المنطقة.
كانت طائرات الأف 16 واحدة من الصفقات التي ابرمها العراقيون في تلك
السنوات من اجل إعادة تأهيل السلاح الجوي العراقي الذي ظل ومنذ العام 2003
محروما من الطائرات الحربية المقاتلة لدرجة ان الصحف الأميركية كانت تطلق
عليه وصف انه السلاح الوحيد الذي يملك الطيارين من دون ان تكون لديهم
طائرات حربية يقودونها؟.
هذا الخلل الستراتيجي في بناء سلاح الطيران الحربي العراقي لم تعالجه
الحكومات العراقية السابقة بعد العام 2003 رغم الحاجة الماسة لامتلاك هذا
السلاح بعد ان ركنت على الاعتماد على الجانب الأميركي في حماية الأجواء
العراقية واطمئنانها المبالغ فيه الى الوضع الأمني وعدم تقديرها لتوقع
إمكانية ان ينجح تنظيم “داعش” الإرهابي في اجتياح مدن عراقية والسيطرة
عليها.
للأسف الشديد لم تتنبه الحكومة العراقية الى مسألة اعادة بناء الجيش
العراقي الوطني وفق قدراتها الذاتية عبر الاعتماد على خبراء عراقيين كفوئين
في هذا المجال والعمل على رفع مستوى القتال لديه من خلال وضع برامج زمنية
لتدريب قوات الجيش وتجهيزها وتسليحها بدلا من تركها تفقد قدراتها وتضمحل في
ضواحي المدن عندما تحولت فرق كاملة من الجيش الى شرطة مرور وحراس شوارع
عاديين يقتلهم الشعور بالملل والترهل ,إضافة الى استغلال ضعاف النفوس لذلك
والتأسيس لظاهرة الفضائيين وسرقة مبالغ مالية ضخمة من الدولة عن طريق رواتب
لجنود لا وجود لهم في الواقع.
لم يتمكن الجيش العراقي خلال الفترة التي سبقت احداث الموصل في العام
الماضي من القيام بأي تمرين ولم يشاهد العراقيون في سمائهم اية طائرة حربية
مقاتلة. ولم تضع الحكومة أية خطط للذهاب الى الشركات العالمية المتخصصة
بانتاج الطائرات لشراء طائرات حديثة منها وخصوصا الروسية التي يجيد
العراقيون قيادتها, بل اهدر وقت ثمين في مجاملات وزيارات بروتوكولية لم
يتحقق منها أي شيء وحتى صفقة طائرات الاف – 16 فانها ولدت بعد مخاض عسير
ومفاوضات شاقة رغم ان العراق يعتبر من البلدان الحليفة التي لا تعترض
واشنطن على تسلحها بالاسلحة الاميركية.
حاجة العراق الى سلاح الطيران تمثل ضرورة قصوى فباستثناء سربي طائرات
السوخوي 24 الروسية التي جلبها الروس الى العراق في وقت متأخر بعد احداث
الموصل المؤلمة لا تملك بغداد اية طائرات حربية اخرى تساند قوات الجيش
والحشد الشعبي في مناطق العمليات المختلفة.
ولم تكن لدى للحكومة في الماضي اية برامج للقيام بتأهيل الطائرات الحربية
المتضررة التي كانت موجودة في عهد النظام الدكتاتوري السابق, بل بيعت
بأسواق الخردة باثمان زهيدة بسبب ارتفاع تكاليف صيانتها بحسب بعض
الادعاءات.
عملية تأهيل سلاح الجو العراقي وتأهيل افراده ومنشآته الضرورية من مطارات
حربية وفرق صيانة فنية امر ليس بالصعب او المستحيل شرط توفر الإرادة
السياسية والعسكرية للوصول إلى هذا الهدف الصعب والعسير فحتى الآن لم تتحرك
الحكومة العراقية ووزارة الدفاع للتعاقد على شراء طائرات حربية مقاتلة
وحديثة من فرنسا وروسيا اللتين ترحبان بأي طلب عراقي بهذا المجال على امل
منافسة الأميركيين في العراق، حيث يمتلك الروس والفرنسيون مصانع حربية
متطورة تنتج طائرات لا تقل كفاءة عن نظيرتها الاميركية, بل تتفوق عليها
تقنيا كطائرات ميغ 33 و 35 والسوخوي بأنواعها الحديثة 30 و 32 الروسية,
إضافة إلى طائرات القصف الستراتيجي الثقيلة والبعيدة المدى من طراز
“توبوليف” التي تستخدم في عمليات التدمير والقصف التجريدي للاهداف
الستراتيجية المهمة ولمسافات بعيدة.
وكذلك الطائرات الفرنسية من طرازات ميراج 2000 و4000 , اضافة الى طائرات
رافال المتطورة. ان على هيئة الركن والقيادة العراقية التي تشرف على عمليات
تأهيل الجيش العراقي المطالبة بالحصول على طائرات حربية متنوعة من اجل ان
تلبي حاجات البلاد الدفاعية والهجومية, خصوصا وان الحرب على عصابات “داعش”
تحتاج الآن الى جهد جوي عراقي ضخم يلبي المتطلبات الستراتيجية الرئيسية في
الحرب ولا يجعل من العراق خاضعا لسياسات ومواقف خارجية قد تكون مضرة
بالعراق سياسيا وامنيا، كما انها تجعل من العراق رهينة بيد سياسات تلك
الدول وعامل اضعاف بالنسبة له.
شيء مؤلم انه لم يتم التعامل بجدية مع عملية بناء سلاح جوي حديث ومتطور, بل
ان العديد من القواعد الجوية المهمة في العراق قد تم التخلي عنها وتحويلها
الى مطارات مدنية وكأن العراق بلد مستقر ولا يعاني من تهديدات واضطرابات
وتحديات امنية خطيرة.
ان على الحكومة العراقية ان تستثمر مناخات التعاون الدولي مع العراق
باعتباره الآن ساحة القتال الرئيسة ضد عصابات “داعش” والشروع بعملية شراء
طائرات مقاتلة ومتطورة من العديد من بلدان العالم، إضافة الى صفقة طائرات
الأف 16 التي يحصل عليها السلاح الجوي العراقي لأول مرة في تاريخه, حيث
سيعزز ذلك من قدرات العراق القتالية في مجال مكافحة الإرهاب والدفاع عن
البلاد ضد أية أعمال عدائية مستقبلا.
تسليح العراق في مجال الطيران يجب ان لا يقتصر على الطيران الحربي المقاتل
لوحده, بل يجب ان تكون لديه أيضا طائرات مسيرة من غير طيار لغرض استخدامها
في عمليات المراقبة وكذلك في شن هجمات صاروخية ضد معاقل تنظيم “داعش”
الإرهابي, حيث اثبت هذا السلاح فعاليته لدى الأميركيين الذين يستخدمونه
بكثافة في ملاحقة ومطاردة عناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة.
إن العراق هو البلد الوحيد في المنطقة الذي ليست لديه طائرات حربية مقاتلة
باستثناء سلاح الهليكوبترات فجميع دول الجوار لديها طائرات حربية مقاتلة
تساند بها جيوشها وتشن بها عمليات قصف للتصدي لأية محاولات لخرق سيادتها
والعدوان على أراضيها .
امتلاك العراق لسلاح جوي متطور سيجعل من موقف العراق الامني والعسكري في
مواجهة عصابات “داعش” الإرهابية هو الموقف الأقوى وسيختزل الكثير من الجهود
والتضحيات وسيعجل بوضع نهاية سريعة لتلك العصابات ويطهر ارض العراق منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى