مقالات

«عاصفة» على رقعة شطرنج

«عاصفة» على رقعة شطرنج

بقلم: امين قمورية
 ” “عاصفة الحزم” السعودية على اليمن تمثل ذروة الاستنفار الخليجي حيال طهران
والغضب على الحوثيين. هدفها واضح لا لبس فيه، وهو إخراج إيران من اليمن
وإعادة السلطة في اليمن الى بيت الطاعة الخليجي.

العملية منذ انطلاقها، لجمت التمدد الحوثي الى حد ما جنوباً، وقطعت طرق
الامداد المباشر بين طهران وأصدقائها اليمنيين، وهي تراهن على إحداث شرخ
بين الحلف المناهض للرئيس عبد ربه منصور هادي وخصوصاً بين الحوثيين وعلي
صالح، واستمالة رجال القبائل المترددين والمؤثرين بـ”الهدايا” أو
بالوعود… ولعل قادتها يراهنون على أن يخل ذلك بالتوازن لمصلحة الرئيس
هادي أملاً في بناء سلطة جديدة وإحياء المبادرة الخليجية بالقوة أو
بالحوار.
ولكن مهلاً، فبدايات الحروب تختلف عن نهاياتها. كل الاحتمالات لا تزال
واردة، نسبة نجاح العملية لا تزال تعادل نسبة غرقها في الوحول اليمنية،
ونسبة الانجرار الى حرب مفتوحة تعادل أيضاً نسبة جنوح الجميع نحو الحوار
بعدما استهلك كل المقاتلين عضلاتهم في استعراضات القوة.
والأهم من ذلك هو طريقة تعامل “العاصفة” مع الحوثيين في حال مواصلة الحرب
المفتوحة أو في حال الدفع نحو طاولة الحوار مجدداً. هل الحل بإعادة تحجيمهم
وتهميشهم بما يشكل مقدمة لنهايات على الطريقة “الداعشية” لكل الاقليات في
مناطق تجمع الاكثريات في الإقليم أكانت سنية أم شيعية أم مسيحية أم غير
ذلك؟ أم اشراكهم في السلطة مع أخذ حجمهم الديموغرافي والسياسي في الاعتبار
وإزالة مسببات غضبهم مما يشكل مثالاً من شأنه تشجيع المتحاربين على البحث
عن تسويات تحفظ للأقليات حقوقها؟. الدهاليز اليمنية وعرة المسالك كطبيعة
البلد الذي فقد سعادته من زمان…وهي لم تكشف بعد ما تخبئه، وإيران حتى هذه
اللحظة لم تفصح عن موقفها ولا عن سيناريوهات ردها، وهي حتماً لن تتخلى
بسهولة عن صديقها الحوثي الذي كاد أن يحملها الى باب المندب. والحوثيون
هددوا بنقل الحرب إلى الأراضي السعودية، كما فعلوا حين خاضوا مع مملكة
الوهابيين حرباً محدودة دامت بضعة أشهر سنة 2009 كبّدوا خلالها القوات
السعودية نحو 140 قتيلا. والسعوديون، على لسان سفيرهم في واشنطن عادل
الجبير، أعلنوا أنهم لن يوقفوا العمليات العسكرية إلا بعد استعادة السلطة
الشرعية بقيادة هادي. وفي الوقت نفسه، كانت مصر تعلن دعمها للعمليات
السعودية و”استعدادها لإرسال قوات بحرية وبرية وجوية لقتال الحوثيين إذا
تطلب الأمر”. في حين تواترت أنباء عن أن باكستان والأردن والمغرب ربما
تشارك أيضاً في هذه العمليات. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تنضم
الغارات، إلا أن البيت الأبيض أكد دعمه لها وأعلن أن الرئيس أوباما أمر
بمنح التحالف الجديد “دعماً استخبارياً ولوجستيا”.
ماذا تعني هذه الحرب الجديدة والتحالف الجديد الذي يقودها وإلى أين يمكن أن تؤدي؟
بادىء ذي بدء، هذا التحالف يضم القوى السنيّة الرئيسة في المنطقة، وسيواجه
في الدرجة الأولى النفوذ الإيراني الذي يقف بقوة وراء الحركة الحوثية. وهذا
يعني أن الحرب الباردة المستترة بين السنّة والشيعة، قد تدخل مرحلة جديدة
تنغمس فيها الدول المعنية، لاسيما المملكة، في لجج حرب مباشرة. وفي
المقابل، ستكون إيران في وضح حرج للغاية، فهي ستتجنب على الأرجح التورط
مباشرة إلى جانب حلفائها الحوثيين في الحرب الجديدة في اليمن، لكنها لن
تكون قادرة على تركهم يواجهون مصيرهم منفردين في وجه هذا التحالف الكبير،
لأن ذلك سيفقدها مصداقيتها لدى بقية حلفائها في المنطقة، من جهة، ولأن ذلك
سيضعف إلى حد كبير مواقعها التفاوضية العامة مع واشنطن، من جهة أخرى.
وكل هذا من شأنه خلق أوضاع غاية في التوتر في المنطقة ككل، خصوصا إذا ما
قرر هذا التحالف الجديد تمديد “هجومه المعاكس” ضد إيران إلى سوريا ولبنان،
إذ أن ذلك قد يحوّل حرب اليمن إلى حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط ربما
تشارك بها إسرائيل.
حتى الآن، لما تصل الأمور إلى هذه المرحلة الخطيرة، لكنها ستقترب منها بقوة
إذا ما قررت أطراف الصراع الإقليمي رمي كل أوراقها على الطاولة. وفي هذه
الحالة، لن تكون تطورات اليمن سوى جزء من لعبة شطرنج أكبر بكثير، هدفها
الرئيس التحكّم، أو محاولة التحكّم، بتوجهات سياسات الولايات المتحدة في
المنطقة، بوصف هذه الأخيرة القوى العظمى الوحيدة التي لاتزال تُمسك وحدها
معظم مصائر دول المنطقة، ومعها مصير النظام الإقليمي الشرق أوسطي العتيد.
بكلمات أوضح: سيكون الهدف الأول لهذه الحرب المفترضة، من جانب السعوديين
وحلفائهم، تقويض (أو على الأقل تعقيد) الصفقة الكبرى الأميركية –
الإيرانية، من خلال إجبار واشنطن على الانحياز علناً إلى جانب “أصدقائها
القدماء” في الشرق الأوسط، ما سيترك مضاعفات سيئة على المفاوضات حيال هذه
الصفقة، كما على الداخل الإيراني. هذا في حين قد تعمد إيران فيه إلى
استخدام هذه الحرب نفسها لإبلاغ واشنطن بأنها القوة الأكثر تأثيراً على
لعبة الحرب والسلام في المنطقة، وتاليا السماح لها أميركياً بممارسة الدور
الامبراطوري ( الإقليمي) الذي تحدث عنه مؤخراً أحد مستشاري الرئيس روحاني،
كجزء من الصفقة النووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى