مقالات

ديكتاتوريات من الشرق..

أيمـن الـحـمـاد

    لي كوان يو، يوارى الثرى لتطوى بذلك صفحة
ديكتاتورٍ آخر. نعم الغرب يُطلِق على باني النهضة في سنغافورة ديكتاتوراً،
لأنه مكث حاكماً لبلاده قرابة ثلاثين عاماً، استطاع أن يحوّل جزيرة تستورد
المياه إلى أيقونة تنموية وسط اقتصاديات عرفت باسم “نمور آسيا” ويجعل من
سنغافورة دولة من الدول العشرين الاقتصادية.

وبغض النظر عن فترة “لي كوان” التي كانت تتسم بتقييد الحريات كما تراها
المقاييس الغربية، إلا أن النتيجة كانت مبهرة، إذ لم يستغل سلطته ليبني
نظاماً زبائنياً أو دولة عميقة فاسدة، بل خدم بلاده بإخلاص وتفانٍ كبيرين،
وجعل أبرز قادة العالم يمشون في جنازته، ويبكيه مواطنوه بحزن وترقّب مشوب
بالخوف من المستقبل، يطرح هذا المثال تساؤلات واضحة ومقلقة تجاه استغلال
المفاهيم العامة وتوظيفها سياسياً دون النظر لأبعاد الموقف وتقييمه بكل
حيادية، وجعل المقياس الغربي مقدساً من خلاله نحكم ونقرر.

لم يقتصر وصف الديكتاتورية في شرق آسيا على الزعيم السنغافوري، بل حتى
على الملهم مهاتير محمد الماليزي الذي حكم بلاده اثنين وعشرين عاماً هو
الآخر لم يسلم من وصفه بالدكتاتور. عندما أجرينا معه مقابلة نشرتها صحيفة (الرياض) في 2009
سألته: “يقول الغرب بأن وجودك ل 22 عاماً في السلطة قلّص الديموقراطية
وأعطى شعوراً بأنك ستبقى للأبد؟”.. فرد قائلاً: “يقولون بأننا غير
ديمقراطيين.. نحن نتفق معهم في أننا لسنا ديمقراطيين ليبراليين مثل
أميركا.. فالديمقراطية عندنا تعني حق الشعب في اختيار قادته وحقه في
رفضهم.. فالحكومة إذا لم تعمل لصالح الشعب فإن الشعب لن يعيد اختيارها.. في
الحقيقة حزبي حكم لنحو خمسين عاماً.. هذا لأننا وعدنا بتطوير البلاد ولقد
فعلنا ذلك..”.

ينطبق الأمر ذاته على بارك تشونغ هيه الرئيس الكوري الأسبق الذي قاد
انقلاباً عسكرياً تولى بعده السلطة في بلاده ل16 عاماً، توصف بالاستبدادية،
ليقودها إلى ما نراه اليوم كتاسع اقتصاد في العالم، لتأتي مجلة “تايم”
وتعتبره أفضل عشرة آسيويين في القرن العشرين.

إن الانقياد نحو المفاهيم الغربية لا سيما السياسية – الاجتماعية منها،
يمكن أن يحدث ارتباكاً على المستوى التنموي لأي بلد ناهض، والاستماع
للتصريحات التي يلقيها الغرب ويتشدقون بها وأخذها على محمل الجد مضيعة
حقيقية للوقت، لأن الديموقراطية كمفهوم يجب تناوله في سياقات اجتماعية
محددة، حتى الدول الغربية عندما تحل مصلحتها فإنها تنسف أي مفهوم لهذا
الاعتبار، وتكيّفه وفق ما تمليه عليها أصول المصلحة والسياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى