مقالات

القضاء وتنفيذ الأحكام

 تنتهي مهمة القضاء بصدور القرار القضائي واكتسابه
الدرجة القطعية إما بتصديق المحكمة الأعلى على الحكم او لمضي المدة
القانونية المقررة دون طعن من جهة ما، وبانتهاء واستنفاذ طرق الطعن المقررة
قانونا يعد الحكم باتا ومكتسبا للدرجة القطعية، وبذلك يصبح الحكم قابلا
وواجبا للتنفيذ سواء كان حكما مدنيا أو جزائيا، وحتى نفصل بين البدء
بالإجراءات والنطق بالحكم وبين تنفيذ تلك الأحكام، علينا ان نتعرف على
الفاصل الأساسي بين مهمة القضاء ومسؤولية تنفيذ الأحكام القضائية التي قد
تختلط عند البعض.
والحكم يعني القرار الفاصل في المنازعة المعروضة أمام القضاء، أو ابداء رأي
المحكمة أو الهيئة القضائية في موضوع القضية المعروضة أمامها، ويصدر عن
المحكمة بناء على قناعتها من خلال ما توفر من ادلة وقرائن، ويشكل الحكم
التعبير عن إرادة القانون، إذ لابد وأن يكون منطبقا وأحكام القوانين أو
مضامين العدالة بشكل عام، ويعرفه بعض الفقهاء بأنه كل قرار صادر من جهة
قضائية وطنية أو دولية ذات ولاية ويفصل في موضوع الدعوى سواء كانت القضية
جنائية أو مدنية أو ادارية أو تقع ضمن مفهوم الأحوال الشخصية. وفي القضايا
الجنائية يتم انجاز التحقيق الاولي والابتدائي فيها من قبل جهات تحقيقية
مختصة، وبعد أن يجد قاضي التحقيق بنتيجة تلك التحقيقات ان الأدلة التي
توفرت في القضية كافية لإحالة المتهم على المحكمة الجنائية المختصة بالفعل
(جنحة أو جناية) دون ان يكون له مناقشة الادلة وكفايتها للحكم من عدمه،
وتتحدد تلك المحكمة التي تحال عليها القضية التحقيقية وفقا للمادة
القانونية التي تجدها محكمة التحقيق أنها تتناسب مع فعل المتهم وفقا لجسامة
العقوبة او الفعل، فإن كانت من اختصاص محاكم الجنايات أحيلت على الجنايات
وفقا للاختصاص المكاني المحدد، ووفقا للفصل الخاص بتطبيق القانون من حيث
المكان في قانون العقوبات النافذ في العراق والمرقم 111 لسنة 69 المعدل،
ووفقا لنص المادة 130/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة
1971، أو أن المادة المنسوبة لفعل المتهم تشكل جنحة مما يوجب الإحالة على
محاكم الجنح (الجزاء سابقا).
وتشترط المادة 130 من الاصول الجزائية ان يتضمن قرار الاحالة تفصيلا عن اسم
المتهم وعمره وصنعته ومحل اقامته والجريمة المسندة اليه وزمان وقوعها
ومكانه والمجني عليه والمادة المنطبقة على الفعل ومن ثم ختم المحكمة وتوقيع
قاضي التحقيق.
وفيما يخص الدعوى الجزائية تستمع المحكمة الى شهادة المشتكين أو المجنى
عليهم وشهود الاثبات وشهود النفي وتستمع الى اقوال المتهم او المتهمين،
وتقوم بتدقيق الأدلة الثبوتية المقدمة من قبل السلطات التحقيقية والمرفقة
بالقضية، وبعد ان تدقق المحكمة جميع تلك الادلة التي قدمت اثناء التحقيق أو
المحاكمة، والادلة هذه هي اقرار المتهم أو أفادته أثناء التحقيق أو
المحاكمة ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوفات الرسمية الاخرى وشهادات
المشتكين والشهود وتقارير الخبراء والتقارير الفنية المختصة ومحاضر الادلة
الجنائية فيما يخص تدقيق صحة نسبة التواقيع ومطابقة الخطوط من قبل الخبراء
الفنيين أو اية تقارير فنية أو رسمية تقدم في القضية، بالإضافة الى مناقشة
جميع القرائن والادلة الاخرى المعتبرة قانوناً، والدلائل ليست ذات أثر واحد
في عملية الاثبات، حيث أن أثرها يترك أمر تقديره الى المحكمة نظراً لأهمية
دورها في اثبات القضية المعروضة أمامها، كما ليس للقاضي ان يحكم بعلمه
الشخصي، وبعد أن تقوم المحكمة بتوجيه التهمة للمتهم على ضوء ما توفر لها من
قناعة بأن الأدلة تكفي للاتهام، وفقاً لنص قانوني تحدده في ورقة التهمة
وتقيد جواب المتهم عنها، وتستمع الى أقوال وكيله، فإن لم يكن له وكيل أو
أنه انسحب لأي سبب كان أو أن المحامي توفي قبل إكمال دفاعه، فإن على
المحكمة انتداب محامٍ للدفاع عن المتهم وتتحمل الدولة اتعاب المحاماة حيث
تتكفل خزينة الدولة بدفعها للمحامي المنتدب بعد اكتساب الحكم الدرجة
القطعية، ويشـــار الى ذلك بفقرة في قرار الحكم.
وبعد أن تستكمل المحكمة جميع الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول
المحاكمات الجزائية، تقرر تأجيل النظر في الدعوى لأغراض التدقيق، أو أن
تقرر الاختلاء لفترة قصيرة في نفس اليوم، واثناء اختلاء المحكمة لتدقيق
الادلة فان لها السلطة المطلقة في تقدير كفايتها، وتخضع هذه الادلة
لتقديرات المحكمة.
وخلال فترة التأجيل للنطق بقرار الحكم تقوم المحكمة بالمداولة بين اعضائها
ورئيسها الذين استمعوا الى جميع ما دار في جلسات تلك المحاكمة وما ترسخ من
قناعتهم خلال مطالعة أوراق القضية، ويبدي كل منهم وجهة نظره بما تحقق له من
دراسة القضية وما تجمع لديه من أدلة اثبات أو نفي فيها.
إن المحكمة عند اصدارها قرار الحكم بالإدانة فأنها تأخذ بنظر الاعتبار
الظروف القضائية المشددة الواردة في مواد الفصل السادس من قانون العقوبات (
المواد من 135 – 140 )، بالإضافة الى إمكانية المحكمة تطبيق الظروف
القضائية المخففة الواردة في المواد 128 – 134 في قانون العقوبات، وفقا
لظروف كل قضية. ويتوجب على المحكمة أن تصدر قرار التجريم أو الإدانة مرفقاً
مع قرار الحكم بالعقوبة، وقرار الإدانة أو التجريم هو القرار الذي يفصل
القضية بشكل موجز، ويشير الى الأسباب التي استند عليها قرار الحكم في
التجريم أو غيره من القرارات، بمعنى انه يحتوي على الأسباب الواقعية
والقانونية والمنطقية، وتبرز هنا امكانية القاضي وقدرته في التفصيل الواضح
والإيجاز الذي لا يضر بأصول الاستدلال ووضوح القضية لمن يطالعها أو يدققها
من هيئات قضائية تمييزية أو تدقيقية أو قانونية، كما يبرز ايضاً انعكاس فن
القضاء وما استطاع القاضي اختزاله من معلومات دقيقة ومهمة من القضية.
ويمكن أن تصدر المحكمة قرارها بالاجماع، في حال اتفاق جميع الأعضاء والرئيس
على وجهة نظر قانونية واحدة، أو أن يصدر القرار بالأغلبية ويتوجب في تلك
الحال أن يقوم العضو المخالف بكتابة مخالفته تحريريا وبيان اسبابها
وحيثياتها وربطها مع إضبارة القضية لعرضها على محكمة التمييز الاتحادية أو
الهيئة التمييزية التي تدقق القضية وخلال فترة التدقيق التمييزي يتم النظر
بطلب المخالفة بعين الاعتبار.
ويتم اصدار قرار الحكم بناء على ما توفر للمحكمة من قناعة بأن الأدلة التي
توفرت في القضية كافية للإدانة وان المتهم ارتكب ما أتهم به فتصدر حكما
بإدانته وبالعقوبة التي تفرضها عليه قانونا، بما يتناسب مع العقوبة المقررة
في المادة القانونية، والنصوص التي سبق أن اشار لها قرار التجريم في
التطبيقات القضائية من ظروف قضائية مخففة أو مشددة ترافق تطبيق العقوبة
وتحديد مدتها وفقا لذلك، اما اذا وجدت المحكمة إن الادلة التي توفرت لا
تكفي للإدانة فتصدر قرارا بإلغاء التهمة الموجهة للمتهم وتقرر الافراج عنه،
أو إن المتهم بريء مما أتهم به اذا اقتنعت المحكمة ان المتهم لم يرتكب
الفعل المتهم به، أو إن الفعل لا يقع تحت أي نص عقابي فتصدر حكما ببراءته
من التهمة الموجهة اليه، أو انه غير مسؤول قانوناً فتصدر حكمها بعدم
مسؤوليته مع اتخاذ التدابير التي ينص عليها القانون. ويتم اخلاء سبيل
المتهم الموقوف عند صدور القرار ببراءته أو بعدم مسؤوليته أو بالأفراج عنه إن لم يكن موقوفا أو مسجونا لسبب آخر.
إن مبادئ كثيرة يضعها القضاة أمامهم عند المباشرة بكتابة قرار الإدانة
والحكم، فالمتهم بريء حتى تثبت ادانته، والشك يفسر لصالح المتهم، ولا يجوز
للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي، ولايجوز تأسيس الحكم على رأي خارج نطاق
الهيئة القضائية، ويطبق القانون الأصلح للمتهم، والمطالبة بالحق المدني
تتبع الحكم الجزائي، كما لا يصدر القاضي حكمه تحت تأثير العاطفة الشخصية أو
الانفعال، ولايحق للقاضي أن يكوّن رأيا ويعلنه قبل صدوره، وللقاضي الحرية
الكاملة في تكوين الاعتقاد دون تدخل من أية جهة كانت.
وبانتهاء المدة القانونية المقررة للطعن، اوبورود القضية مصدقة من محكمة
التمييز الاتحادية لموافقة قرار الحكم للقانون في حال الجنايات، او من
محكمة الاستئناف الاتحادية المختصة في حال الجنح، وبانتهاء طرق الطعن
المقررة قانونا، تنتهي القضية من امام القضاء، وتنتقل مسؤوليتها الى السلطة
التنفيذية، ويصبح تنفيذ الأحكام من اختصاص الجهة التنفيذية. وفي جميع
الأحوال لا يجوز تنفيذ العقوبات والتدابير المقررة بالقانون لأية جريمة الا
بمقتضى حكم واجب التنفيذ وصادر من محكمة مختصة.
وكثيرا ما نسمع الانتقادات الموجهة للقضاء حول عدم الاستعجال في تنفيذ
الأحكام والعقوبات، وهي مهمة لا تخص القضاء ولاتقع ضمن دائرة مسؤوليته،
وحتى نكون منصفين وعارفين لطبيعة العمل القضائي، فإن القضاء العراقي ليس له
دخل في قضية سرعة تنفيذ الأحكام الباتة التي صدرت بحق المجرمين من
الإرهابيين أو غيرهم من المدانين بارتكاب الأفعال الجرمية واكتسبت الدرجة
القطعية، حيث ان القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون
ولايجوز لأية سلطة مهما كانت التدخل في القضاء او في شؤون العدالة، وتنفيذ
الأحكام من مهمات السلطة التنفيذية حصرا، بما فيها الأحكام بالسجن أو
الإعدام.
ويتم ارسال المحكوم عليه مع نسخة من قرار الحكم الى المؤسسة او السجن الذي
تقرر ايداعه فيه، مع الاشارة الى مدة التوقيف التي قضاها قبل اصدار قرار
الحكم، ويتم تنفيذ الحكم وفقا للقواعد المنصوص عليها قانونا، ويحتسب اليوم
الذي يبدأ فيه تنفيذ الحكم من مدة العقوبة، ويخلى سبيله ظهر اليوم المقرر
لانتهائها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى