مقالات

منتصف العمر

شبكة الساعة الاخبارية العراقية \ متابعة

يزعجنا الاحساس بالتغيير فبعد أن كنا ننظر إلى المستقبل و نتعجله أصبحنا ننظر إلى الزمن نظرة استعطاف أن يتوقف قليلًا كي نلتقط أنفاسنا…الحياة و الزمن يتسارعان و نحن نلهث من ورائهما و ها قد انتصف العمر و ابيض الشعر و تغيرت الملامح…هذا زميلي و رفيق دربي ما الذي حدث له ؟ أراه و قد اصبح مظهره مظهر الشيخ العجوز رغم أنه في الأربعين و تلك زميلتي قد أصبحت تشبه أمها إلى حد كبير…و تلك خالتي أصبحت جدة ضعيفة واهنة و هذا ذهب و هذا مرض و الحال تغيرت كثيرًا

عندما تفعل بنا الدنيا الأفاعيل و تحين هذه اللحظة من التفكير و التأمل في هذه الرحلة و يحين الوقت الذي نتيقن فيه أن الحياة رحلة لها بداية و نهاية…هنا قد يلوم البعض نفسه على أنه لم يحقق ما كان يحلم به من أهداف و أنه تأخر كثيرًا فى تحقيق ما كان يفكر فيه من إنجازات و أنه أخطأ في هذا و لم يحالفه الحظ في ذاك و قد يشعر بالتعب من هموم الدنيا و مشاغلها و مشاكلها و قد يشعر باليأس من إصلاح أولاده أو رضا زوجته أو تحقيق آماله…أو يشعر بالملل و الرتابة من عمله و حياته…أو أن يقارن حاله بحال بعض أقرانه الذين حالفتهم الحظوظ و حققوا النجاحات و ارتفعوا في الثروة و الجاه أو في الشهرة و العلم …وقد ينظر إلى المستقبل و قد أضناه التعب و أرهقته المطالب و بدت له الدنيا على حقيقتها و علم أنه لن يهنأ فيها و أنه خلق ليعمل و يكد

و ما يزيد الأمر تعقيدا هو فقدان الأحبة و الأصدقاء أو حتي الخوف الدائم من فقدانهم

و أسوأ ضلالة في هذا الوقت هو إحساسك بأنك قد تكون أسأت اختيار شريك حياتك أو عدم رضاك عن أبنائك…هم منك و إليك و هم ماضيك و حاضرك و مستقبلك …فلا تثر عليهم و تنقلب على نعمة وجودهم في حياتك

و مما يفاقم الإحساس بالعمر و مسيرته ظهور المرض و ضعف اللياقة و ثقل الجسد و الحقيقة أن الشيخوخة و العجز أمر نسبي جسديا و نفسيا فهو لا يرتبط بعمرك معدودا بالاعوام و لكنه يرتبط بقدرتك و قوتك الجسدية و بنفسيتك …أعرف أناسا ممن تخطوا الستين و لكنهم يحملون في صدورهم قلوب الشباب و علي الجانب الآخر شباب ثلاثيني يعتنقون أفكار و هموم الشيوخ و العجائز

و رغم علمنا بهذا كله فنحن نستسلم جسديا و نفسيا …نستسلم حين نترك الحركة و السعي و الرياضة و نركن الي الخمول و الراحة…نستسلم حين نسمح لخيبة الأمل أن تسكن قلوبنا و نفوسنا …نستسلم حين نسمح للضلالات بالتمكن منا و من عقولنا

كلنا يحلم بالاستقرار و الراحة و انتهاء المسئوليات و لكني أصدقك القول أن هذا لن يحدث إلا عند المرض و الوهن و العجز او حين نبلغ من العمر ارذله

كلنا له أحلام و أهداف و لكن ينبغي أن نعرف أن كل ما علينا هو السعي و المحاولة و هذا هو جوهر الحياة… فالمواطن العادي لا يختلف عن الثري او الوجيه فكلاهما يستطيع ان يشعر بالراحة و السعادة بطريقته …كلنا بشر مهما اختلفت الدرجات لنا صفات و عادات مشتركة….لا يستطيع الثري أن يطيل عمره لحظة أو أن يكون متيقظا دون ان ينام او أن يشتري السعادة دون أن يبذل الجهد في السعي إليها ..احساسك بالنقص هو الذى ينغص عليك حياتك و شعورك بالحاجة هو الذي يكدر عليك صفوك

أيها الشباب في منتصف أعماركم و في ذروة قوتكم… تعالوا لننظر الي منتصف العمر نظرة أخرى …لقد نجاكم الله طوال هده السنوات من مهالك و مشاكل و تغلبتم بعونه على الكثير من المتاعب و المصاعب و اعطاكم من فضله و لسوف يعطيكم كما أعطاكم من قبل

و لكي نتجنب هذه الازمة النفسية التي قد تصاحب انتصاف العمر و نتغاضى عن أية أفكار سلبية و التى ربما ترافقنا لسنوات..ليس لنا إلا أن نفهم الحياة على أصولها و أن نعرف طبيعتها و ديدنها و أن نجتهد فيها و أن نسعي كى نُسعد الآخرين و نحسن إليهم و هذا سوف يكون حقيقة مصدرًا لسعادتنا و سيبارك الله لنا في أعمارنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى