هل تغيـرنا الأعمـال الأدبيـة من الداخــل؟
علي الآن أن أجيب عن هذا السؤال انطلاقا من قناعتي بأن النصوص الأدبية تغيرنا من الداخل إذا عرفنا كيف نقرأها.
لكن حصول التغيير نادر جدا لأنه لا يحدث ببساطة. إننا لا نشكو من قلة المفاهيم والحكم والقصص العرفانية والأخلاقية..ليست لدينا مشكلة في كم الثقافة العريض الذي يمتد من خلفنا كمروج خضراء.
المشكلة الحقيقية تكمن في أننا لم نستفد أو لم نعرف كيف نستفيد من كل ذلك التراث الفائق الذكاء.
أعتقد أن الإنسان لن يتعلم شيئا مهما في حياته اذا لم يفهم ذاته جيدا. وإذا لم يقم الانسان باكتشاف أعماقه الخفية فلن يحقق تقدما يذكر ينقله من مرحلة إلى أخرى. وعلى هذا الأساس أستطيع القول ان التغيير الذي نبحث عنه لا يحصل من دون خطوة داخلية نقوم بها.اننا نخطئ حين نعتقد أننا بشر نتمتع بملكة واحدة هي العقل، وهذا العقل يعطينا نصائحه كأستاذ يوجد فينا. ولا مجال لمخالفته. وأية مخالفة للعقل تعني اننا نفقد صفتنا الإنسانية وننحدر إلى الجنون.
ومن أهم وظائف العقل إمكانية تحليل الظواهر من حولنا. فلا توجد ظاهرة لا يقوم العقل بحسمها وفهمها وتحليلها. هذا هو نشاط العقل الذي لن يتوقف أبدا.
لكن كيف يمكن أن أفهم التاثير الذي تركته في ذاتي قصة منزل النساء إلى درجة أنها رجتني دون توقف. يصور القاص محمد خضير بيتا كبيرا تشغله نساء كثيرات لا يقمن فيه بصفة دائمة.
البيت معرض دائما لاستقبال ساكنين جدد. وتشكو مالكة البيت من ذكريات نزيلاتها اللاتي رحلن.
البطل الذي يدخل إلى البيت الكبير هو شخص يحرك ركود المكان كليا. ويبدو أن هناك صفة غير مريحة تزعج مالكة البيت وهي أن الاشياء تزول وتتغير وتذوب كالثلج.
وهي تطلب من نزيلاتها أن يبقين قربها لأن قلبها تالف.عند هذا الاعتراف للبطلة تحدث الصدمة المزعجة التي لا يفهمها العقل. كيف..؟
أنا أثق بأن الحياة لا بد أن تتغير، وأن تزول لكي نفسح المجال للتقدم. هذا مبدأ عقلي متفق عليه. فالحياة تتطور لأنها لا بد أن تتطور.
هكذا يرى عقلي الأشياء والعالم وكل شيء. اذن فما هذه اللغة الغريبة لبطلة القصة. لماذا تشعر هذه المرأة بضغط الواقع، وتخاف من زوال الاشياء..؟
لماذا حلت هذه الفكرة الخطرة محل فكرة التطور نحو الأحسن.
أنا أخاطب بطلة القصة “عوفة” بهذه الكلمات ياسيدتي عوفة: أنت تهزمين عقلي بهذه اللغة. أنا ابن عقلي وأنت امرأة خوفك وزوالك الرهيب.
انت تذوبين خوفا من تغير الأشياء، وأنا أفرح للتغير لأنه خطوات ثابتة نحو ما هو أفضل. وفي هذه الحالة كيف يمكن أن أفهم توجهات القاص الغريبة.
أنا أقف أمام حالة غير مفهومة ترج عقلي رجا.
ان السؤال الذي أطرحه الآن هو هل لشعور بطلة القصة عوفة نور من الحقيقة..؟
هل هي دقيقة النظر بحيث ترى في الأشياء ما لا يراه عقلي..؟هل أنا المؤمن بالتطور أكثر صدقا من تلك المرأة التي لا ترى أي ظل للتقدم وأنما تلمح ظلال الزوال والخوف..؟كيف يمكن أن أوفق بين مبدأ عقلي وشعور تلك المرأة. هذه اللحظة أسميها:اللحظة غير المتوقعة.
لأعد لتحليل إمكانيتي كشخص له عقل. مبدئيا لا يمكن لأي عقل أن يفهم جو القصة العام ولا موقف البطلة.
العقل في هذه الحالة يشعر بتناقض لا يفهمه، إذ ستكون لغة البطلة مجرد لحظة ضعف بشري غير حقيقية. لكن البقاء ضمن إيحاء القصة ليس سهلا، إذا فضلنا أن نظل تحت انزعاج العقل. وهنا لا بد من ملاحظة طريفة وهي ان العقل ينزعج إذا واجه ما يناقضه. العقل يتقزز ويثور ويشعر بالتهديد في حالات كثيرة.
ولأننا لا نفكر في أنفسنا نعتقد أن التقزز حالة جسمية تدل على انفعال. كلا العقل هو من يتقزز إذا صادف ما يناقضه.
ان عدم الارتياح من فكرة جديدة لا توجد ضمن عقل الانسان تسبب له حالة من الضجر والانفعال.
وعلى قدر قوة الأفكار في العقل تكون درجة الانفعال.
لأضرب مثلا هو موقف بطلة “منزل النساء”.انها تتكلم بلغة لا أفهمها لأن عقلي لا مكان فيه إلا لمبادئه العامة القوية التي تفسر الواقع. ومن الطبيعي أن أشعر بعدم ارتياح أسميه اسما فنيا هو:النظرة الأخرى للحياة. لكني مع ذلك أستدرك أن وجهة النظر التي تمثلها عوفة لا تخصني من قريب ولا بعيد لأنها ليست وجهة نظر عقلي.
أردت أن أقف موقفا جديدا من جو قصة “منزل النساء” لأكشف حالة الاختلاف بين يقيني العقلي ويقين بطلة القصة. ويبدو أن القاص محمد خضير يكتب من منظور إدراكي خاص يختلف عن منظور العقل وقواه الإدراكية، وينعكس في أكثر من قصة.
ولا بد من البحث عن ملامح محددة يعبر عنها القاص بأسلوب قوي الدلالة هو أسلوب الصدمة العقلية التي تكشف عن وجود نظرتين لكل منهما حق الوجود.

