مقالات

سوق الحرب السوداء

بقلم: حمزة مصطفى
 حتى الحروب فيها سوق موازية، اي سوق سوداء تنتعش فيها
بضاعة من نوع آخر هي الشائعة. هذه البضاعة تجد من يتداولها وبأسعار اعلى
بكثير من الاسعار الرسمية للخبر او المعلومة باستثناء الحقيقة التي هي
دائما مفقودة في مثل هذا النوع من التداول.
حربنا ضد تنظيم “داعش” الارهابي لا تبدو من حيث الشكل استثناء من ذلك سوى
ان الحرب الموازية فيها لا تجري من قبل الخصم فقط, بل في غالب الاحيان من
قبلنا نحن اهل الدار.
اللغة التي تحدث بها رئيس الوزراء العبادي ووزيرا الدفاع والداخلية في جلسة
البرلمان الاسبوع الماضي بشأن ذلك تعكس حجم المرارة مما يجري على هذا
الصعيد.
رئيس الوزراء اعترف باختراق “داعش” جبهتنا النفسية لا الداخلية فقط. وطبقا
لما تحدث به القائد العام ومن معه من المسؤولين الامنيين فمن الواضح ان
هناك مستويين من مستويات الاختراق النفسي عبر الشائعة من خلال ما يبثه
“داعش” اولا عبر”جيش الانترنت” الذي يملكه وتحدث عنه العبادي او من خلال ما
يتولى بعض المسؤولين عن دراية او قصد او عن حسن نية ترويجه من اخبار كاذبة
او مبالغ فيها. ومن خلال المناقشات وحتى المعلومات التي اوردوها بشأن بعض
الحوادث التي استثمرها تنظيم “داعش” والتي جاءت اما على شكل اخبار ملفقة
جرى تصديقها بسرعة عبر وسائل الاعلام او على شكل تصريحات لمسؤولين من بينهم
اعضاء بمجلس النواب يتضح ان هذا التنظيم يحاول نقل حربه النفسية الى حرب
ليست بيننا وبينه فقط بل فيما بيننا. وهنا لابد من طرح السؤال التالي: أين
تكمن قوة العدو اذا افترضنا كل هذه الوقائع والحيثيات صحيحة؟ حين نفتش عن
المعطيات التي بحوزتنا سنكتشف ان لا قوة لديه يقوم بتوظيفها ضدنا سوى ضعفنا
غير المبرر وغير المقنع. واذا كان هناك من يقول ان لدى “داعش” قدرة
احترافية على كيفية نشر المعلومة مستفيدا من الفضاء الاعلامي الواسع فان من
سهل له ذلك هو افتقار طبقتنا السياسية ووسائلنا الاعلامية الى وحدة موقف
سياسي او اعلامي حيال قضية وطنية يفترض ان لاخلاف عليها.
واذا كانت القضية تبدو متشعبة جدا فان ما ينبغي التوقف عنده مليا هو
المواقف السياسية التي تعكس خللا واضحا في كيفية التعاطي مع حدث وطني يجب
ان يكون التعبير عنه عبر قنوات معروفة مثل وزارتي الداخلية او الدفاع من
خلال ناطقين مخولين او بيانات رسمية، فالحروب لايمكن ان تخضع للمزايدات
السياسية. وليس من حق رئيس الوزراء او وزير الداخلية او وزير الدفاع ان
يعتب مجرد عتب على نواب ونائبات في البرلمان تسببت تصريحاتهم بكوارث على
مستوى سير المعارك. في الحروب تتعطل القوانين العادية وتلجأ الدول والشعوب
الى قوانين واجراءات ردع صارمة مثل قوانين الطوارئ او غيرها بحيث يتم
التعامل مع تصريح لنائب او نائبة يتضمن معلومة مغلوطة تفيد العدو وتؤدي في
المقابل الى انهيار المعنويات بوصفها جريمة قد ترقى الى مرتبة الخيانة
العظمى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى