أدباء: «داعش» يهدد مستقبل التنوع الثقافي في البلاد

بعد أن شوهت جمال أغلب المدن التي وطأتها بأظلافها، باتت داعش تعمل على تهجير كل ما هو مختلف عن فكرها ووعيها المتطرف، هذا يعني أن مستقبل التنوع الثقافي في البلاد يتجه إلى الهاوية، ما الحلول التي يمكن أن تتحقق في سبيل إبعاد هذا الخطر ؟ وما الذي يمكن أن تقدمه النخب المبدعة، وهل من دور للثقافة في سبيل مواجهة العنف الذي أخذ بالتهام مباهج أهلنا في شمال البلاد وغربها؟ العنف الذي يريد أن يجعل الناس قطيعا لا لون ولا اتجاه لهم غير اتجاه الراعي.
كشف ظلاميتهم
القاص كاظم حسوني أشار إلى تمثيل داعش لأقصى حالات ومظاهر تطرف الفكر الوهابي التكفيري الذي عدّه منتشرا بفضل “البترودولار” ومشايخ المتطرفين الذين يعملون على غسل أدمغة الشباب المغفلين وتحويلهم إلى قنابل بغية سفك دماء الأبرياء في أنحاء المعمورة، حتى أن خطرهم الجسيم تفشى في العراق وسوريا وارتكبوا أبشع المجازر وأعمال التخريب بحق الأهالي، وبيّن حسوني أهمية محاربة “الدواعش” من خلال الثقافة المضادة التي يتولاها رجال الدين والمثقفون والاختصاصيون، لكشف ظلامية هذا الدين الجديد الذي بشّر به ممولو المتطرفين وأنتجوه لمعاداة الإنسان، وقتل ممن يختلفون معهم في المذهب والدين والعقيدة، لافتا إلى حاجتنا لمن يواجه هذا الفكر، كما فعل العلامة كمال الدين الحيدري على مدى أكثر من عام، حيث استطاع تفكيك أصوله الظلامية وكشف آلياته وأفكاره وأكاذيبه وتشويهه السافر للإسلام، لأنه من ألد خصوم دين المحبة والتسامح الذي بشر به نبينا محمد (ص) مؤكدا أن كل هذا الجهد يجب أن يوازيه بالعمل والاتجاه الجهد العسكري عبر الإعداد الكامل والمنضبط للقوات المسلحة، واتخاذ كل ما يلزم من تحوطات أمنية لئلا تخترق القطعات والسعي لمقارعتهم في كل الجبهات بالأسلحة كافة وبعزيمة صلبة.
قوى ضاغطة
الدكتور عمار المسعودي ذهب برأيه إلى تنازع المشهد السياسي العراقي من قبل قوى ضاغطة عديدة منها ما هو داخلي متمثلا بالخراب السياسي الذي ألقى بظلاله القاتمة على الواقع مما خلق فجوات هائلة سهلت هذا الاختراق الأمني الذي أنهك الدولة وأضعفها، مشيرا إلى ما أضافه الاحتقان الطائفي الإقليمي والملف النووي الإيراني وتداعياته على تأزم المشكلات في البلاد، مؤكدا إضعاف ذلك لفرص قيام دولة حديثة تحافظ على هويتها ووجودها الوطني وألوانها المتنوعة ما سهل طرح موضوع اسمه الأقليات ليقسم الشعب بمسارب جديدة أساءت للنسيج العراقي الذي بدأ يتهرأ ما هدد الوجود على أساس المواطنة اللائقة بالتجربة الديمقراطية، على حد وصفه.
ولفت المسعودي إلى ضرورة وجود إجماع وطني لبناء الدولة على أساسات حافظة للهوية الوطنية خارج التشرذم الذي أضاع خريطة يرتبط بها الجميع، عادّا غيابّ أي لون أو مكون من هذا المجتمع انتهاكا صارخا للوحدة الوطنية التي نسعى لتكون هي الخط الأحمر الذي لابد من عدم تجاوزه .
وأد ظاهرة القطيع
الروائي علي حسين عبيد رأى أن كل الحياة العراقية مستهدفة من قبل تطرف “داعش” وليس التنوع الثقافي وحده، مشيرا إلى ضرورة التعامل بحزم مع الوقائع الجديدة التي فرضتها العصابات المتطرفة على البلاد، لافتا إلى ازدياد مسؤولية المثقف الذي يجب أن يكون دوره رياديا في محاربة الأفكار الهدامة، والسعي إلى وأد ظاهرة القطيع التي تسلب إرادة الإنسان وتحد من قدراته وحريته، بمعنى أن على الثقافة من خلال نخبها أن تقوم بتوعية بسطاء الناس بطبيعة الخطر الذي تشكله المفاهيم والتقاليد والقيم المشوهة التي تحاول القوى الظلامية نشرها بالقوة في المناطق التي استولت عليها، خاصة انها تستخدم الإرث الديني غطاءً لتمرير أهدافها، بحجة نشر الدين والالتزام بما نص عليه القرآن والسنة النبوية،على حد تعبيره.
قتل الشخصية العراقية
لشاعر أحمد عبد الزهرة الكعبي استهل وجهة نظره بالحديث عن الحل الممكن لهذه المشكلة الكبيرة التي تواجه الحياة العراقية، موضحا أنه يكمن في طريقة إيصال الكلمة التي يراد منها بناء ما دمرته العقول الهوجاء، مبديا ثقته ببقاء الشعب متنوعا، فالتنوع يمثل حضارة كانت وستظل تشكل الوطن، مبيّنا بأن الاستمرارية هي المعنية بالأمر، وسبب البقاء يكمن في مقدار المعرفة التي نبثها في هذه المرحلة، وفي الكيفية التي يمكن من خلالها إقناع الآخر بأنه يتعرض مثل غيره لعملية إقصاء، وان عملية الإلغاء للإنسان العراقي، الذي يحاول أن يقدم نفسه للوجود بشكله المتعارف عنه كحامل شمس البداية، لابد أن تصطدم بعملية ثقافية نوعية تتمثل بأن يسمح للوعي بأخذ المساحة الكاملة التي تليق به وعدم ربطه بقنوات بعينها.
وراح الكعبي يؤكد بأن ما يعيشه العراقي حاليا يمثل عملية نسف كبيرة للعقل والحضور، وأن الأمر متعلق بكيفية تعاملنا مع القوة الغاشمة، وسبل الخروج بأقل عدد من الخسائر من هذه الدوامة التي نجابه فيها أتعس أنواع الخلق، فضلا عن كيفية ترميم التفكير بعد كل هذا الهدم؟.
وطالب الكعبي بفتح أوسع مجالات التعبير والإبداع للمثقف والكاتب والشاعر والمسرحي والتشكيلي وغيرهم للقيام بدورهم الخلاق، كما تم السماح لردة الفعل الشعبية التي مثلها الشباب في الدفاع عن ممتلكاتهم الوطنية.
وعدّ الكعبي أن ثمة غموضا يتخلل هذه المعركة يعود سببه إلى حمل العدو لملامح ثابته تتأرجح بين الدين ونقيضه، مؤكدا مرة أخرى وجوب وضع الثقافة طرفا لأنها التي تعرف الأشياء وتضع الأمور في نصابها متى ما تم تخليصها من عقد كثيرة أتعسها الولاء لشخص أو الانقياد لحزب أو حتى الطائفة، فالوطن كمفهوم أوسع من المناطقية، وغيرها من أسباب التفريق.
موضحا أن هذه الحرب “الداعشية” تهدف إلى قتل الشخصية العراقية، ويجب أن ترتطم بالانتقالة الجبارة نحو إثبات الوجود والاتجاه الكامل لمرحلة بناء الذات أي الوطن، بعد شرح مفهوم التواجد داخله كونه مجموعة أشكال تتوحد في ايقونة واحدة لتحمل علما و نشيدا يمثل الجميع .
محو جمال التنوع
الشاعر سلام محمد البناي أكد أن الثقافة التي جاءت بها “داعش” تسعى لتدمير كل مظاهر الحياة المختلفة عن فهمها البدائي والسطحي، وكل ما له علاقة بالأديان السماوية التي هي بعيدة عنها حتى وان تمظهرت بلباس أحدها، موضحا أن الجوامع والحسينيات والكنائس والمزارات والمواقع التاريخية الخالدة والنصب التذكارية للشعراء والفنانين والمفكرين كلها تشير إلى أهمية الإنسان وضرورة وجوده فقد عرف العراق بتنوع قومياته وأديانه، فمثلما كان المسيحيون عنوانا للجمال والتسامح والمحبة، كذلك الايزيديون والصابئة والشبك وبقية الطوائف، وأشار البناي إلى أن هذه الزمر الضالة أنما جاءت إلى البلاد من أجل تفتيت هذا النسيج الجمالي، الذي لطالما كان شاهدا على التآلف، فهذه الزمر أعداء لكل ما هو إنساني، ومن ثم فإن الأرض سترفضهم قبل أن يرفضهم الإنسان ونهايتهم ستكون حتمية بتوحد العراقيين وإرادتهم التي ترفض هؤلاء الغرباء الذين جاؤوا لإبطال الأديان وإلغاء الشواهد التاريخية والمقدسة لبلد لم يكتب التاريخ ولم تأت الحضارة إلا من أجله بلد الأنبياء والأوصياء والأولياء والأئمة والعلماء بلد الثقافة والشعر والأدب والفن.