تحقيقات

حصار ديمقراطي





حصار ديمقراطي

علي البستنجي

عرّف الغرب ديمقراطيته القديمة بــ “حكم
الشعب” فأثلج صدورنا هذا التعريف حين وجدناه ممتدا الى مناهج التعليم.. وخطب
الساسة.. خلنا ان التطبيق الحرفي لهذه المبادئ بعد زلزال 2003 سينسينا الايام
المرة، ويعلي من شأن العراقي وكيانه ومواطنته..

لم يقدم لنا الكلام المنمق غير أستار مهترئة وفوضى محمية
بأسوار من الحراسة والبيروقراطية والمنتفعين.. واذا كانت التسعينيات بحصارها المرّ
قد هجرّت الملايين في اصقاع الدنيا فان “الحصار الديمقراطي” قد اودع
ملايين اخرين في المهاجر والمقابر و اسفل مراتب السلم الاجتماعي.. سعى الامريكيون
لبسط النظام فلم يفلحوا حتى ادركوا انه لا بد ان يمرّ بقوات الصحوة فكان ذلك
ايذانا بولادة القوات غير النظامية، وخراب معالم الدولة بالكامل..

ما يعنيني هنا ان الديمقراطية في العراق قدمت لنا الشيء
ونقيضه في آن.. الانتخابات المرادفة لاختيارات ليست من صنع المواطنين..الساسة
الذين يصعب استبدالهم او تغييرهم الا بالموت.. الميزانيات الانفجارية المرافقة
لمستويات الفقر المتصاعدة.. والاصوات المفوهة بشعارات النزاهة الملازمة لارتفاع
مستويات الفساد على نحو غير مسبوق..

اين يكمن الخلل؟ وما الانموذج الذي نسوّقه للعالم حتى
يعطي دولتنا توصيفا ملائما؟ اتصور ان هنالك علاقة طردية بين الديمقراطية والجهل
أدت الى شيوع وضع غير مفهوم فهل كانت “الفوضى الخلاقة” طريقا يمر عبر
زراعة مبادئ معينة في بيئة غير صالحة؟ يخبرنا التاريخ القريب ان المانيا التي خرجت
من قيود النازية و هزيمتها النكراء في الحرب العالمية الثانية قد أرست أسس
ديمقراطية عظيمة في أوروبا وباتت بيضة القبان في الاتحاد الاوروبي.

  هل امست
الديمقراطية دليل ضعف وخواء بدل ان تكون عامل قوة واستقرار ونماء ورخاء؟ تخبرنا
الحالة العراقية بأنه ومنذ دق اساس الحرية تفككت البلاد وغدا الرابط بين اجزائها
خارطة ووحدة شكلية نزف الشعب على إثرها انهار الدم.. وفي كل مرة ترفع شعارات
الخلاص والتغيير في مشهد انتخابي جديد تعود الصورة الى سابقتها وتزداد الاحوال
سوداوية وضبابية..

وحتى نجيب عن هذا التساؤل الحائر نضع ايار المقبل نصب
الاعين مدركين ان ما تمثله الديمقراطية خيبات امل وشكليات وصور اعلامية واستعراضات
كلامية.. ومهرجانات نشتم فيها من نشاء ونرفع من نبغي الى عنان السماء ثم بعد اذ
تعلن النتائج ننفخ بالونات الشتم من جديد معلنين الحرب على من اخترناهم بالامس..
فهل جعلتنا هذه اللعبة اشبه بالمجانين؟

اخر الكلام..

الديمقراطية ليست ثمار تقطف.. بل ثقافة.. فكر متوهج..
قدرة على اتخاذ القرار.. قوة.. إرادة لا تقهر.. الديمقراطية تضحية.. وحب للوطن..
ونحن فهمناها على انها مجموعة مكاسب ومجاملات ودغدغة عواطف وساحات للتباهي..
ومجاملات.. وفوضى منفلتة.. ولذا ما دمنا قد اسأنا الفهم نتحمل النتائج المترتبة
على اساءة الفهم هذه.. ومتى ما طبقنا المفاهيم انفة الذكر حصدنا المكاسب
والمنافع.. وصرنا بحق انموذج يشار اليه بالبنان في العالم.. العبرة يا سادة في الفهم
والتطبيق.. فهلا ننتبه!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى