مقالات

حروب السايكولوجيا

بقلم: عباس عبد الرزاق الصباغ
لم يتوانَ الدواعش ومن خلفهم المستدعشون
المنخرطون في طابورهم الخامس وخلاياهم النائمة، عن ابتكار وسائل شيطانية
جديدة للحروب السايكولوجية وبواسطة خبراء مختصين في حرب المعنويات وتأثيرها
المباشر على الآخرين لاسيما تلك التي تؤثر تأثيرا سلبيا على مناسيب
المعنويات والتي تحدث بلبلة في الشارع فضلا عن إحداث انقسامات حادة بين
السياسيين وتضارب صارخ ينتاب آراء القادة الأمنيين حول حادثة ما وخاصة اذا
كانت الطبقة السياسية تعيش مناخا مفعما بالانقسامات والمناكفات المتضاربة.
ويزيد الطين بلة دخول وسائل الميديا بجميع انواعها كعنصر فعّال ومؤثر في
تسويق وترويج الحدث بشكل مغاير ومفبرك ما يعطي رسالة مضببة ومشوهة ومعاكسة
في الوقت عينه للرأي العام وهي وسائل لها وقعها الخاص على الواقع
السايكولوجي لعموم المجتمع وقد تكون اشد وقعا وأضرارا من أحداث المعارك
وأخبارها.
ولهذا فقد اجتهد الدواعش والمستدعشون على خوض حرب من نوع آخر وان كانت هي
حربا متوارثة من كلاسيكيات الحروب وهي الحرب النفسية التي تعني في ابسط
تجلياتها (الاستعمال المخطط والمُمنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية
للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة تسهّل الوصول للأهداف) ولكن
بأسلوب عصري متقن باستغلال وسائل الميديا المتطورة إضافة الى استخدام
وسائل الاتصال الاجتماعي كونها واسعة التداول وفي متناول الجميع، فقد صار
بمقدور اي مقطع فيديوي ولدقائق معدودات او لمجرد ثوان ان يسري كالنار في
الهشيم المحتضر ويؤَّمن ذلك، التطور اليومي والسريع المذهل في وسائل
الاتصال الهاتفي والفوتوغرافي الرقمي (الديجتال) والمعلوماتي وسرعة انتقال
المعلومات الغزيرة وفي زمن قياسي ولجميع أنحاء العالم من خلال الشبكة
العنكبوتية او الأثير المترامي وهو مايُحدث ردود أفعال متباينة سلبا او
إيجابا لا سيما ان كانت تلك المعلومة مفبركة جيدا وبسيناريوهات هوليودية
متقنة، الغاية النهائية منها احداث شروخ واسعة وثغرات بينة في الجبهة
الداخلية وزرع البلبلة وعدم الارتياح والتناحر والتخاذل والانكسار بين صفوف
المقاتلين في جبهات القتال فضلا عن تثبيط الروح المعنوية وبث الروح
الانهزامية للطرف المقابل وهو ما يسعى اليه تنظيم “داعش” والمستدعشون فعله
لاسيما بعد كل انتصار نوعي تحققه قواتنا الباسلة ومجاهدو الحشد الشعبي
و(البيشمركَه) والعشائر.
إن “داعش” يحاول ان يعوض او يغطي انكساراته الواضحة في تلك المعارك بخوض
معارك من نوع اخر هي اقل تكلفة وتضحيات من المعارك التقليدية ولكن هي اشد
فتكا منها ان لم تكن فتاكة مثلها او تضاهيها من النواحي الستراتيجية
والتكتيكية من خلال بث الدعايات الكاذبة والشائعات الملفقة ناهيك عن بث
رسائل فيديوية حقيقية وواقعية قد تكون قديمة وتجسد إجرام ووحشية “داعش” في
المناطق التي يسيطر عليها كجز الرؤوس وقطع الأيادي والرجم والرمي من شاهق
والحرق حتى الموت ومشاهد الاغتصاب لزرع الرعب وإحداث صدمة سايكولوجية
استباقية في النفوس ولكسب الوقت كأن تقوم ببث مقطع فيديوي يمثل عملية جز
رؤوس لبعض الجنود في مكان معين قد يكون في سوريا او في غيرها وتقوم بترويجه
على انه يمثل “هزيمة” لاحدى قطعات جيشنا في منطقة عراقية يخوض جيشنا فيها
حربا ضد “داعش”، او اظهار صور لأسرى لهم في منطقة معينة وتسويقها على انها
صور حديثة لأسرى من الحشد الشعبي. ومن المؤسف ان الكثير من متصفحي وسائل
الاتصال الاجتماعي يتلقفون تلك الرسائل على انها حقائق دامغة ومن دون
الرجوع الى المصادر الحكومية والرسمية المختصة التي تستطيع لوحدها ومن خلال
أجهزتها تأكيد او نفي تلك المعلومات وقد تدخل وسائل الإعلام المغرضة على
هذا الخط وخاصة تلك التي تتصيد هكذا معلومات لتعيد ترويجها مستهدفة الأداء
الحكومي وبضمنه الجانب العسكري منه وإسقاط العملية السياسية في نظر الرأي
العام العالمي وضمن أجندتها التخريبية التي تتوخى تنفيذها وعادة ما تكون
المعلومات المضللة مادة دسمة في هذا المضمار.
ومن المؤسف له ايضا ان تزدحم تلك الوسائل الإعلامية ووسائل الاتصال
الاجتماعي بالكثير من البيانات والتصريحات والتحليلات والاستنتاجات والتي
غالبيتها تكون عبارة عن مناكفات وتسقيطات واتهامات وكل مايزرع الوهن والضعف
والشك في النفوس سواء في جبهات القتال وقوتها في الصد او في الجبهة
الداخلية ومتانتها وتماسكها وقبل انتظار نتائج البيانات الرسمية المختصة في
تقديم الحقيقة وتوضيحها ورفع ملابساتها لكي لاتخرج أية مسألة عن إطارها
وحجمها الحقيقي وتحدث الأثر الذي يتوخاه الدواعش.
ويبقى السؤال مطروحا في ملعب النخب السياسية وهو: متى يدرك سياسيونا بأن
الحرب الفعلية اليوم أصبحت حرباً سايكولوجية وستراتيجية شاملة كي لا
ينزلقوا مرة اخرى في المطبات وحقول الالغام التي يختلقها لهم “داعش” الذي
يريد ان ينتصر بأقل التكاليف وفي حروب تكون ساحاتها نوازع السايكولوجيا
العراقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى