ثقافة وتعليم

انقذوا نينوى

بعض الساسة ناس نظريون في حدود المكان. هم حَسَبةُ مصالح. وعملهم لقاءات،
مساومات تبادل منافع، إيجاد مستقرات يرضون بها أنفسهم ولا يختلفون بها عن
الخارج، أعني الخارج المهني أو الملاك العالمي الكبير.
ونحن لا نستطيع، ثقافياً، أن نغير المضمون ولا آليات العمل في السياسة، هي
هكذا تعمل. ولكن المدن حواضر أي مقرات تحضر ويسكنها بشر لهم تاريخ وبينهم
عواطف وذكريات وأملاك، وقد رسموا حياتهم في أجواء المدينة وعهدوا بمستقبلهم
لمستقبلها.
إنقاذ المدينة، خلاصها من وباء أو من احتلال أو كارثة من كوارث الله
الكثيرة علينا، عمل غير نمطي، غير خاضع لتسلسل المشاريع المدنية أو
البلدية، هو يلزم السياسة بتغيير المنطق!. الموصل واحدة من مدن العالم.
واحدة مما تعاونت على رسمها الوقائع والأحلام والأساطير. مدينة خزانة أدب
وخزانة شرف تعيش على بركات أولياء ورجال حكمة وعوائل وجيهة يعرفها التاريخ
وشباب بذلوا دماً وأعماراً وخسروا متعاً وحياة من أجل المستقبل، من أجل أن
تكون مدينتهم أفضل من أن تستوعب أحلامهم وتحميها حتى مواسم الإنجاز أو
القطاف. أصاب المدينة ما أصابها كل يحمل سبباً وكل يدين وكل مُدان. الموصل
درة البلاد ووريثة كنوز العالم، يحتلها ناس مسلحون يطاردون الفن والفلسفة
وكل مفردات الحضارة الجديدة. ناس يرون هذه المكاسب أخطاء. لتختلف الآراء،
ولكن لتقف الأحقاد والشماتات، ولنعلم أن الموصل مصابة بالصميم، وان الحياة
والتراث المكتنز فيها وشرف الناس وجوهر الأمة كل هذه في خطر. هنا يدان
المنطق السياسي، يُدان التسلسل والأولويات. الموصل هي الأَولى وهي الأُولى
قبل أي شيء!.
الحضارة هناك والتاريخ هناك. الشرف العربي هناك، روح النضال الوطني وطريق
السير إلى المستقبل وكلها في خطر لا مجال للتفاهم، الموصل أولى. نحن ناس
ثقافة– ثقافة تعمل، تحلل، تكتشف طرقاً مضيئة لسعادة الإنسان لفهمه، لعونه
على المحنة. أنتم أيها السياسيون اخوتنا في النضال المشترك في السعي
لسعادة الإنسان وتقدم البلاد، لكن الثقافة منحازة أكثر للجوهر، منحازة لروح
الموصل التاريخية الخالدة ولروح الفن العريق الكامن فيها ولإشعاع
العبقريات عبر تاريخها حتى اليوم. لا مجال لأي انتظار. الموصل أولاً،
الجوهر الإنساني في أرض الله الموصلية قبل كل شيء
لا أصدق أن موصل آشور والإسلام وموصل الحياة الجديدة مخربة جامعتها
الرصينة ذات الاسم المحترم بين الجامعات. لا أصدق أن الأساتذة العلماء
المجدين وفنانيها ومباهجهم الفنية والأدبية مصادرة صغيرها وكبيرها.
لا أصدق أن طلبة الموصل الذين تنحني رقابهم الشريفة على الكتاب، المتنافسين
على درجة أعلى، ينظرون إلى معاهدهم وكلياتهم ثم ينظرون إلى كتبهم منكسرين.
المستقبل قريب أيها الشرفاء. الحرية قادمة، المستقبل قريب والعراق كله
وطننا، وطننا كلنا وبإرادة الجميع لن يظل سبباً للسقوط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى