الروائية الشابة مشاعل الجعيد: أفلاطون المريض أولى تجاربي في الرواية ومتفائلة بها
لم
يكن خوضها في مضمار العمل الطبي تجربة عابرة. ولا خبرة علمية بحتة أُضيفت
إلى رصيدها فقط. إذ استطاعت أن تخلق من تجربتها هذه النواة الأساس لانطلاق
أولى إصداراتها. وأن تجمع عصارة ما مرت به في هذا الميدان بأحرف وكلمات.
فكان لنا كتاب (أفلاطون المريض) للكاتبة مشاعل الجعيد.
عمِلت
مشاعل الجعيد كصيدلانية منذ مايقارب خمس سنوات. تنقلت فيها ما بين المرضى
المنومين، ومركز السموم، ومعلومات الأدوية، إلى وحدة علاج السرطان، وإذ
تعمل الآن بشكلٍ مستمر في العيادات الخارجية التي تخدم التخصصات المختلفة.
سعت
مشاعل الجعيد من خلال كتابها (أفلاطون المريض) أن تنقل أهم الدروس و
الأحداث التي مرت بها، من خلال عملها في أروقة المستشفيات، إذ عَمدت في
كتابها الانتقال من قصة المريض التي يكتنفها الألم النفسي قبل الجسدي، إلى
عاطفة المرأة، حتى إخلاص الممارس الصحي.
للحديث أكثر عن تفاصيل خوض مشاعل الجعيد و تجربتها الأولى في عالم الكتابة والنشر. كانت مشاعل الجعيد حاضرة معنا في حوار ـ لها أون لاين ـ الخاص معها للإجابة على العديد من التساؤلات.
فـ إلى الحوار:
*بداية ما الذي دفع مشاعل الجعيد إلى تدوين تجربتها وجمعها في كتاب؟
كتبت
ليقرأ كل إنسان. وخاصة الممارس الصحي، ويعرف أن الطريق في العمل الصحي ليس
بالسهل و ليس بالشاق أيضا؛ لكنه طريق ممتع يتخلله الحذر.
قد
يعرف البعض تلك التجارب، لكني وددت أن أضع أمامه تجارب تعلمت أنا منها، إذ
إن هذه التجارب تحمل الكثير من الأمل والتأمل في ذات الإنسان من خلال
المرض، فيسلي نفسه كما كان يسلي القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم بذكر قصص الأنبياء، فيمضي بلا ملل، وكله أمل بأن القادم أكثر إشراقة، إذا كان الهدف ذا قيمة سامية للإنسانية.
*حقيقة عنوان كتابك مثير لما يحمله من تساؤلات.. ما السر وراء تسميتك إياه بـ (أفلاطون المريض)؟
في
البداية كنت سأسميه(وبحت به يوماً) كتجارب ضاق بها صدري، وبحت بها، ولكن
فيما بعد ارتأيت أنا ودار النشر بتغيره إلى (أفلاطون المريض).
*ولِما العالم أفلاطون تحديداً؟ مع العلم أن أفلاطون اهتم بعلم الفلسفة و المنطق و ليس الطب؟!
ذلك لدلالة أفلاطون، وارتباطه الدائم بالمثاليات والفلسفة، والتي لا تكاد توجد في واقع الحياة.
وكما
هو العمل في المجال الصحي، فلم يكن العالم المثالي المطلق، و إن كان هذا
الهدف لرعاية ما هو أغلى شيء في الحياة، وهي الروح، لكن سنظل نتذكر أن
المستشفى ليست المدينة الفاضلة، ولا الممارس الصحي أفلاطون.
إذ
يرتبط دائما العمل بالمجال الصحي بالفكرة المطلقة، فمثلاً تجد لدى البعض
تصور بأن كل من يعمل به سيكون ملائكيا كونه يعمل في المجال الإنساني، وعدم
ثقة البعض بالممارس الصحي، وتخوفه بأنه من الممكن أن يسبب له الضرر، أو
الخطأ الطبي، وأيضاً تكون لدى الممارس المنطق ذاته، حين التحاقه بهذا
المجال، بسبب المكانة الاجتماعية، والمستقبل الوظيفي التي يحققها.
فكلا الطرفين منطقهم يرتكز على الفكرة المطلقة تجاه هذا المجال، ولكن من خلال التجارب التي مرت بي ذكرت بأن كلا منهما لديه حقوق، لابد أن يكون واعيا بها حتى يحقق الهدف الأسمى.
*اعتمدتِ
في كتابك أفلاطون المريض على أدب السيرة كشكل أدبي في سرد تجاربك.. لِما
اعتمدتِ هذا الشكل تحديداً؟ ولم تستخدمي أشكالا أدبية أخرى في طرح تجربتك
كـ القصة القصيرة أو الرواية مثلاً؟
أسلوب
أدب السيرة يساعد ويناسب طرح القضايا والتوجهات الفكرية، من خلال عرض
تجارب أو ممارسات تمر بالكاتب، وفي رأي الشخصي، وجدت أنها الأقرب من
الرواية بحكم واقعيتها و قدرتها في سرد الأحداث المختلفة، والتي ستحقق هدفي
في نقل التجربة للآخر سواء المريض أو الممارس.
*ما أهم الدروس التي بقيت عالقة في ذهنك كونك المعاصرة الأهم لكل حرف كُتب؟
كل
واحد منها كان لها وقعها الخاص عليّ، وحتى التي لم أدرجها بالكتاب، ولكن
ربما قصة زميلتي التي كانت تنافسني في مقاعد الدراسة، لتنقطع عني وألتقيها
مرة أخرى، ولكنه في هذه المرة تكون مريضتي و محملة بالإحباط والألم، والتي
أصبحت فيما بعد زائرة دائمة للعيادات النفسية. حينها تعلمت أن أحمد الله
تعالى، أن جعلني في قدر المرض مخففة للألم لا متألمة.
*كم استغرقتِ في كتابتكِ لـ أفلاطون المريض؟
استغرقت
الكتابة شهرين لتجارب سبق كتابة بعضها، في حساباتي على مواقع التواصل
الاجتماعي، و استغرقت شهرين أيضا حتى تنتهي الدار من طبعاتها ونشرها.
*بهذا
الصدد نريد أن نتحدث أكثر عن تجربتك في عالم النشر؟ كتابك الصادر عن دار
كلمات الكويتية. حدثينا أكثر عن خوضك في عالم النشر كونها تجربتك الأولى؟
في البداية قرأت في خبرة من سبقوني في النشر
لأستفيد منهم، كيفية النشر مثل صديقتي الروائية نادية الزهراني، حتى أصبح
لدي تصور عام لكل تفاصيل النشر، ومن ثم بدأت بعرض الكتاب على الدور، واخترت
دار كلمات الكويتية و وفقت في اختياري لها.
*وماذا عن مرحلة الطبع ..أعني فيما يتعلق بالتعامل مع دور للنشر؟
صدقاً
حين جاءتني الموافقة من عدة دور نشر، اخترت دار كلمات لأَنِّي أرى أنها
تتخذ من دعم وتوجيه الشباب رسالة لها، وسعت أن تشاركنا بآرائها وخبراتها،
ليصدر الكتاب بالطريقة التي يستحق الظهور بها، منذ أن تبدأ عملية النشر
بتوقيع العقد المبرم مع الدار، وحتى طباعة الكتاب ومراجعته واعتماد شكله
النهائي، بما فيه الغلاف وتوقيع الكتاب، كانت الدار خلفنا وتدعمنا بكل شيء.
*هل واجهتِ صعوبات معينة بإجراءات مرحلة الفسح من وزارة الإعلام؟
الحمد لله كانت وزارة الاعلام متعاونة في إجراءات النشر، فقد حصلت على فسح مبدئي خلال يومين وفسح نهائي في يوم واحد.
*خلال مراحل إنتاج وطباعة الكتاب، هل رافقك أحد من الكتاب أو النقاد؟ أو حتى من ذوي الخبرة؟
نعم،
تولى مراجعة كتابي نحوياً الأستاذ شمس الدين درمش من رابطة الأدب
الإسلامي. كما استفدت من توجيهات الروائي الاستاذ ماجد مقبل من دار كلمات،
في اختيار اسم الكتاب وفي خطوات النشر.
*مع الزخم الإنتاجي الأدبي الذي تشهده الساحة الأدبية بشكل ملحوظ اليوم في العالم العربي، ما رأي مشاعل الجعيد بهذا؟
أتوقع
أننا نعيش حالة تعافي تظهر في الزخم الأدبي، وخصوصا أن التأليف أصبح يلامس
جميع شرائح المجتمع، ولم يعد نخبوي في شرائحه كما كان.
فمن
الممكن أن تجد كتابا يناقش موضوعا اقتصاديا أو أدبيا أو سياسيا بطريقة
سلسة، تصل للجميع أكثر من كتاب آخر يناقش ذات المواضيع، حيث تتدرج الكتب
الآن من العمق والخلفية التخصصية إلى السهولة في التعبير، مع الاحتفاظ
بقيمتها الأدبية. وفي النهاية هذا الزخم الأدبي سيخلق نوعا من التنوع
المطلوب في الذائقة الأدبية للقراء.
*وفي ظل كل هذا الإنتاج الأدبي الذي لوحظ جلياً من خلال معرض الكتاب، ما الجديد الذي قدمتيه من خلال “أفلاطون المريض”؟
قدمت تجارب شخصية، ومذاكرات من داخل عملي، و أود أن تصل إلى الجميع لتخلق الأمل والتحدي
لمن يتبنى التغيير، و تضع الوعي بالحقوق كركيزة أساسية للمريض والممارس
الصحي في معادلة توزان، وأي خلل فيهما سيكون ثمنها الروح البشرية وهي
الأغلى.
*(أفلاطون المريض) كونها تجربتك الأولى في عالم الإنتاج الأدبي، هل أنتِ متخوفة من الآراء التي ستكون عن الكتاب؟
لا كنت متفائلة جداً. والحمد لله منحني الله تعالى أكثر مما تفاءلت به، والتمست ذلك يوم توقيع كتابي.
*هل وصلتكِ أية آراء حول كتابك؟ وكيف وجدتيها؟
نعم
وصلتني في أول انتهائي من كتابة الكتاب، وخلال مراحل نشره، ممن اطلع عليه
واليوم يصلني الكثير من الثناء والدعم الذي اعتز به من مؤلفين وأدباء
وقُراء؛ لأني عبرت عن الكثير مما يسكن البعض و أحمدُ الله الذي بنعمه تتم
الصالحات.