مقالات

تجارة {النازحين}

بقلم: حمزة مصطفى
 الكاميرا لاتزال سيدة الموقف. آلاف العوائل النازحة
من مدينة الرمادي “على غفلة” تحتشد عند جسر خشبي على نهر الفرات اسمه اكثر
غرابة من واقعه. جسر “بزيبز” الذي سرق الاضواء حتى من جسر البرج في لندن
وتحول طوال الايام الماضية الى مادة دسمة لكل انواع المزايدات. الاغرب في
الامر ان كبار اللاعبين في سوق عكاظ هذه المزايدات هم اهل الدار نفسها. قسم
من ابرز المسؤولين المحليين هناك هو من ورط الجميع في موجة النزوح هذه
عندما تحول الى جنرال يعلن ساعة صفر بدء معركة التحرير. كان امر الاعلان
عن ساعة الصفر التي هي من اختصاص القائد العام للقوات المسلحة مجرد مزايدة
بلا تقدير لنتائجها التي بدت – لولا سرعة بعض التدابير الحكومية – كارثية.
بعد عبور جسر بزيبز لم يعد للكاميرا هناك من معنى. القصة اصبحت عند مقتربات
بغداد. الكاميرا وبكامل اضاءاتها انتقلت الى تخوم بغداد لتبدأ قصة اخرى من
قصص المزايدات بدءا من الكفيل حتى كرفانات النازحين. مسؤولون كبار بكامل
قيافاتهم يتجولون بين النازحين دون ان يجري تحقيق عن سبب هذا النزوح
المفاجئ. لا احد يسأل ولا احد يطالب. سلطة الكاميرا اقوى من مسؤولية السلطة
في مثل هذه الاحوال التي تظهر فيها عوائل تفترش الطريق واخرى تبحث عن
“سيريلاك” او حفاظات للاطفال واخرى يقال انها بلا كفيل.
الكاميرا تصرخ لماذا يتركوننا في العراء؟ ومتى تهتز الضمائر؟ اين الطعام
والماء والمفروشات؟ الكل يهرع الى النتيجة ولا أحد يكلف نفسه عناء البحث عن
السبب. الكاميرا لا تقف عند مكان معين. اينما تنتقل الكاميرا ينتقل كبار
المسؤولين بكامل قيافاتهم. هذه المرة في المنطقة الخضراء ذاتها, سوبر
تظاهرة. وزراء واعضاء مجلس نواب واعضاء مجلس محافظة يرفعون شعارات وهتافات
ضد انفسهم في مسعى غير حكيم بارتداء ثوب الضحية.
ابو غريب ليس بعيدا. هو ملء المشهد بكامل ارثه الجهنمي. الناس يمرون بالقرب
منه وعيونهم ترنو الى المجهول. الكاميرا الخفية هذه المرة تسجل لقطات سرية
لهذا السجن وتبثها على الهواء لكن على شكل مقترح خضع لمزيد من المتاجرة
والمزايدات من قبيل ان “ابو غريب” يمكن ان يكون مكانا “مثاليا” للنازحين
بدلا من الكرفانات والجوامع والحسينيات.
الحكومة بدت هي الضحية الوحيدة لما يجري, فهي لم تعلن ساعة صفر النزوح, كما
لم تقف حجر عثرة حيال اي اجراء يستوعب النازحين, اريد لها ان ترتدي ثوب
الجلاد وتضع كل النازحين في سجن “ابو غريب”. اضطر رئيسا الوزراء والبرلمان
الى نفي متبادل لما قيل انه مقترح متبادل بينهما. الكاميرا لا تزال تضخ
المزيد من الصور. مشاهد تتكرر هنا وهناك. مسؤولون بياقات بيض واخرى سمائية,
شيوخ عشائر تركوا العقل في المضايف وارتدوا السموكن من اجل الفنادق يحملون
الجميع مسؤولية ما حصل باستثناء مزايداتهم التي تحمل شتى انواع العلامات
التجارية بالجمع والمفرد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى