ثقافة وتعليم

خيار الشعر

ألهمتني قراءة رسالة من الشاعر والروائي الألماني هرمان هسه إلى شاعر
مبتدئ، الكتابة عن الشعر، وكيف يكون الخيار الأوحد. المبتدئ كان قد بعث
محاولاته إلى هسه مع رسالة، يطلب فيها منه أن يجيبه بتقييم قاس وليس
بإطراء، هل هو شاعر، يمتلك الموهبة، وان كتاباته تستحق أن تضمها دفتا كتاب،
ومن ثم هل بإمكانه أن تصبح الكتابة حرفته، أي انه يريد من هسه قراءة
مستقبله الأدبي من خلال محاولاته المبكرة، أجابه هسه أن من يقدم على
ذلك”شخصية سطحية أو غشاش”، لأن أدباء كبارا، بحسب هسه، لانستطيع تقييمهم
من دون قراءة معظم منجزهم الأدبي. أردا هسه إرسال ثيمة أن الغرور لا
يتصالح مع الشعر، وان تأليف كتاب ليس بالعمل الفذ، هذه إجابات كاتب مرموق
مثل هسه، يكتب للشاب في مقدمة رسالته “انك تطلب مني ما لا أملكه”.

ماقاله هسه يصح أن يوجه لشبابنا، من الجنسين، ممن يرومون أن يصبحوا شعراء،
يقدمون على طبع مجموعاتهم من دون تأن، وفي دور نشر لاتحتسب للقيمة
الإبداعية لما تنشر، مايهمها الربح المادي فقط، والترويج لذاتها، بأنها
طبعت عشرات الكتب في مدة قصيرة، تلك الدور، تشارك الفيس بوك الآن في التجني
على من ينشرون لديها. تأثيرات الـ”فيس بوك”، يتداول طرحها باستمرار في
الصحافة العربية عامة، والثقافية خاصة، على سبيل المثال، الشاعر عباس بيضون
كتب مقالا في ملحق السفير الثقافي، بتأريخ 24من شهر نيسان الماضي، تساءل
فيه عما إذا كان الـ” فيس بوك”، أحدث ” ثورة ثقافية” في عالمنا العربي.

هناك مجانية في ارتفاع سقف” اللايكات” والتعليقات على خواطر بسيطة أو
تفتعل التعقيد اللفظي، تعليقات تطلق الألقاب أيضا.. شاعر مبدع، أو كاتبة
مبدعة، تؤدي بصاحب الخاطرة إلى تصديق تسمية ما كانت في خلده أبدا، مايوقعه
في مطب الوهم الشعري، ان كان لا يمتلك حقا الأدوات الضرورية لصناعة شاعر،
وهم يتسلق به إلى النرجسية، حينذاك يكون من الصعب عليه سماع كلمة موضوعية
قاسية بشأن مستويات مايكتب.

قد تكون الكتابات العفوية لكثير من الناشطين على الـ”فيس بوك” أهم وأفضل
مستوى من تلك التي تلبسها الوهم، النوع الأول لا تفسده البراغماتية، وربما
ينتقل إلى مراحل أكثر نضجا. ما الغاية من إرادة إنسان ما أن يكون شاعرا؟
سؤال طرحه هسه على الشاعر المبتدئ، إذا كان مرامه الشهرة والمال، فالشعر هو
أبعد من أن يحقق تلك المنافع، وإذا كان الشاعر يتمتع بسمات مثالية، فهناك
ناس عاديون يمتلكونها، سمات الصدق والنزاهة والتأثر بآلام الآخرين والتضامن
معهم، الإحساس انك بالضد من فئة من الناس تضرب كل القيم، عرض الحائط، في
سبيل مصالحها الشخصية.

ماهي الأهمية بالنسبة لشاعر ما آمن بأن الممارسة الشعرية لن تجلب له الشهرة
أو المال، وهو إنسان مثالي، كما أي شاعر يفترض أن يكون كذلك؟ هسه يجيب
الشاعر المبتدئ انها “الأهمية التي لا يحل محلها أي شيء” في حياة الشاعر،
أي الخيار الحقيقي من بين خيارات متاحة، تؤمن له مستوى مضمونا ومقبولا في
المجتمع، ولكنه يغادرها، والتشبث بخيار الشعر وحده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى