كلاويز على إيقاع المدافع
ترافقت احتفالية مهرجان كلاويز الثامن عشر لهذا العام مع عملية تحرير السعدية وجلولاء، فكان الاحتفال مزدوجاً، تشعر به وأنت في القاعة والشارع معاً، لتخرج بانطباع.. كم هي القضايا الوطنية مغنية للعمل الثقافي، وكم هو العمل الثقافي المرتبط بالناس يكون مغتنيا بإيقاع العصر، وهو تطهير أمكنة من وجود أرجاس “الدواعش” على أرضنا. وللتاريخ لم أشعر بهوية شخصية لمن طهر هذه المدينة أو تلك، كذلك كان شعور من تحدثت معهم، ولكني شعرت بغبطة لا متناهية عندما كان إيقاع التحرير متناغما مع مرحلة مهمة من تاريخ العلاقة مع كردستان العراق.
وترافق مع عملية التحرير إنجازان مهمان، على الرغم من الوضع المالي الذي هيمن على بعض فقرات المهرجان، إلا أن دورة هذا العام اغتنت بعدد من الأفكار والشخصيات المهمة، من بينها اعتماد فقرة مهمة عن الفلسفة احتفاء بيوم الفلسفة العالمي، وكنت قبل عامين المبادر الأول في كلمة لي في هذا الحقل عن أهمية يوم الفلسفة العالمي لنا، وبادر قسم الفلسفة في جامعة بغداد في العام الماضي لتحقيق هذه المهمة، وها هي تتكرر في مهرجان كلاويز الثامن عشر. نحن أصحاب المبادرات الفلسفية في العالم، وكانت الفكرة بحد ذاتها تطورا منهجيا لرؤية الكيفية التي يكون المهرجان فيها متصلاً بقضايا ثقافية أعمق من القضايا المباشرة. ومن القضايا المهمة الأخرى، إن قلة الوفود الخارجية عكست ضعف إدراك البعض من أن الشعب العراقي بكل فئاته قد تجاوز أعمال التكفيريين من تفجيرات وتشويهات إعلامية، فالبلاد بخير والعمل جار في التقدم والتطور، ولا تخيف الشعب شذرات إجرامية على الرغم من خسائرنا البشرية وهم الأفضلون تاريخيا، إلا أن ضعف الدعاية الإعلامية العراقية كلها، وبكل تلويناتها أسهمت في عدم إقناع المثقفين العرب قبل السياسيين بأن العراق بألف خير. هذه النقطة التي لم يتجاوزها الإعلام العراقي انعكست على مجمل الثقافة العراقية في جانب علاقتها بالأشقاء من المثقفين العرب قبل غيرهم، ومهرجان كلاويز هذا العام كان تحولاً كبيرا تمثل بأن إصرار إقامته كان جزءا من الإعلام المضاد، الذي يشيع دائما أننا نخشى الإرهاب، ولا نستطيع مواجهته، وأن لانحمي مدننا وشعبنا، كان المهرجان، وهو يترافق مع صوت مدافع تحرير المدن، سياقا لإعلام حضاري متقدم، وعلينا تنميته وتقديم المزيد من مظاهر التلاحم بين فصائل نضالنا الوطني.
خمسة أيام كانت ممتلئة بالحوار، شعرت وأنا أحضر بعض الجلسات، أن السعي التنظيمي يميل مستقبلا إلى تضمين المهرجانات فعاليات بنيوية في الثقافة، وليس شرطا أن يكون ميدانا لقراءات قصائد أو قصص فقط. وقد كانت بعض فقرات المهرجان ضعيفة لأنها كانت أدبية بحت، في حين أن المهرجانات الثقافية في العالم باتت تهتم بدراسة وتقديم الظواهر الاجتماعية والفكرية، بمعنى أنها تؤسس ولا تستنتج، وتقول عن الآتي ولا تحصر هدفها في ما أنجز، وميدانها المبهمات والإشكاليات، التي لم تجد حلولا بعد، وليس المشكلات التي حُلت وفهمت وقيلت. المهرجان سؤال فلسفي، وليس أجابات جاهزة وتقاليد كلاسيكية فقط.. ومهرجان كلاويز هذا العام كان باتجاه البحث عن فقرات واسئلة جديرة بالحوار.


