قراءة في ديوان: طائر الأيك للشاعرة الإسلامية أماني حاتم بسيسو
تنهل
قصائد الشاعرة أماني حاتم بسيسو في ديوانها: (طائرالأيك) من أشجان ذاتها
وخصوصيتها الكثير من دفئها وشاعريتها ولغتها, فهي تعزف على هذه الذات
الحزينة الملتاعة، من خلال معجم رومانسي يحلّق في فضاء الطبيعة الرّحب,
وليس هذا غريباً على شاعرة فلسطينية مشرّدة, ولدت في المنفى، وعاشت جلّ
تجربتها غريبة بعيدة عن وطنها الجريح:
ما الذي أملك في هذا الوجود؟
حين قلبي – رغم من حولي- وحيد
حين نبضي في دجى الليل كما
خفق طيرمتعب الروح شريد
كُلّ حبّ صار زيفاً كاذباً
كُلّ عدل صار حيفًا وجحود
وإن
كنّا لا نوافق شاعرتنا على هذه النظرة السوداء للحياة, إلاّ أنّنا قد نجد
لها بعض العذر، وقد استيقظت أحاسيسها على مأساة قضيّتها، وهي مأساة ندر أن
تجرّعها شعب بهذه القسوة والظلم، كما يكتوي بها الشعب الفلسطيني اليوم, ومع
ذلك نرى أنّ أماني بسيسو تملك الكثير مدّخرات الرؤى الإسلامية لهذا
الصراع، حين تنهي قصيدتها هذه (روح شريد) يهذين البيتين اللذين يحملان في
وهجها جرعات من التفاؤل، تدلّ على أنّ الشاعرة تسير بخطى ثابتة صادقة في مواجهة قوى الطغيان والغدر:
دعك من أرضها مات الوفا
واستبد الغدر بالحكم السديد
وتعالي نتلاقى في السّما
ولتكن رحباً لنا, دون حدود
دفء العائلة
تنتمي
بعض قصائد الشاعرة إلى خصوصية عائلية دافئة, وهي تقطف أزهارها من تلك
العلاقات الإنسانية الحميمة, وجاءت قصائد مثل: (إلى أمي, إلى أبي, عودة
أبي, لتتهجّى هذه الخصوصية, ويهتف الكون ما بها, ونراها تنطق الطير, وتحاور
الآفاق وتبثّ الشمس بعض أريج فرحها, ولكن يبقى شعر أماني حاتم بسيسو بحاجة
إلى المزيد من العمق, ومحاورة النفس, إذ تكتفي أحيانا بأن تحوم في فضاء
الظاهرة من الخارج, ولا تجس أعماقها, ففي قصيدة: (عودة أبي) تمضي إلى بث
فرحها لمحيطها الخارجي، دون العناية بالأحاسيس الداخليّة للمسافر, أو تجسيد
مشاعر خاصّة لمن يستقبله مثلاً!
تقول الشاعرة في هذه القصيدة:
الأرض تبدي فرحة
والغيم يروي جدبها
والوُرقُ تبني عشّها
والكلّ يبسم حولها
وتصوّر
استقبال أمّها لأبيها, ولكن ظلّت هذه الصورة تقليديّة، يشترك فيها جميع
البشر, ولم تلامس نبضاً خاصاً لهذه الأمّ التي عانت كثيراً في غياب زوجها,
وقد أشارت إلى أنّ هذه الأمّ أمّا مُؤمنة ملتزمة, محافظة على صلاتها
ودعائها, والأصل أن تنعكس هذه الخصوصية بكل جزئياتها, ودواخلها على الأم
بصور شعرية مبتكرة، تغوص إلى أعماق النفس ومعاناتها, ولكن لم تلامس الشاعرة في نبضها أشواق الروح المغتربة وحنينها إلى نصفها المسافر:
وأتت طيور تنقل البشرى
وتسعى نحوهــا
فتبسّمت أمّي لــــها
والنور زيّن وجهـــــها
وسعت بقلب خافـق
والشوق يحدو خطوها
تلك
الصورة التي رسمتها الشاعرة لأمّها في استقبال أبيها، صورة عاديّة لم
تجاوز المألوق, ولعلّ بساطة الشاعرة في تجربتها الغضّة تشفع لها, فهي لم
تعركها الحياة بعد, وما زالت في بداية الطريق؛ ولذا يأتي تحليقها في
رومانسيّة الطبيعة, دون أن تتعمقّ في لهيب معاناة أبيها وأمّها، وهذا العمق
الإنساني يكون من خلال ثراء التجربة، وثراء الحياة التي تضفي على الشعر
إيقاعها وإيحائها الخاص, وقد وجدنا بعض هذا الثراء في قصائدها الأخيرة,
وربّما كان ذلك سبباً في فوزها بالمرتبة الثالثة في المسابقة الشعرية
لرابطة الأدب الإسلامي العالمية.
صرخة الأقصى
جاءت
بعض قصائد الشاعرة لتعبّر عن فكر نيّر, ونظرة صادقة لهموم الأمّة وأحزانها
ولوعتها, ممّا يدلّ على توّجه صائب نحو الأهداف السامية, واعتزاز بماضي المسلمين وأمجادهم العريقة, فتقرأ لها قصائد مثل:
(هل
هؤلاء المسلمون, قصيدة حبّ, صرخة الأقصى) وهذا يدلّ أنّ شاعرتنا أماني
حاتم بسيسو لم تعزف على أشجان الذات فقط, بل تمضي إلى أسى الأمّة، وتستنهض
ذاكرتها , فتقول في قصيدة (صرخة الأقصى):
يا صرخة الأقصى, ولهفته التي
صارت بقلبي, عزمة ومضاء
كتبوا لنا تاريخنا, يا للأسى
سمّوة ــ زوراً ــ أعصراً ظلماء
نحلوا لهيكلهم كيانا مفترى
وهو الذي ما قام قَطّ بناء
اهتف, بل اصرخ, ملء صوتك قائلاً:
هاتوا السلاح وأبعدوا الخطباءا
صارت حجارة أرضنا أسيافنا
والسيف أصدق في الوغى إنباءا
مزّق مواثيق السلام على الملا
وارفع إلى المولى العليّ دعاءا
ربّاه , أنت حسيبنا , وحبيبنا
فأمتْنا يا ربّ الورى شهداءا
نافذة على اللغة والأسلوب
تنهل
لغة الشاعرة من فضاء الطبيعة ومعجمها، بل نجد أنّ مفردات الخطاب الشعري
لدى أماني بسيسو لا تتجاوز في مستوياتها هذا النسيج الكوني الذي تلحّ عليه
الشاعرة حتى في عناوين قصائدها:(عاصفة, في هدأة الليل, الناس والليل, طيف،
يا طائر الأيك, اللحن الأخير, لحن الحياة, وغيرها).
ولو
تتبعنا قصيدة (لحن الحياة) مثلا، لوجدنا أنّها تزخر في كل سطر منها
بدلالات هذا المعجم ومترادفاته: (فجر, طيور, مرابع, ورود, أنسام, عاطرة,
تشدو, تطير, أنغام, الوجود, طروب, الليل, النجوم, الرياض, الزهر, يعبق,
الشمس, مشرق, الجدول, الأيك, الغصون, الصبح, الغيوم, الشذا, الحياة).
أمّا
من حيث الأسلوب, فيقوم أسلوبها على المزاوجة بين الجمل الخبريّة
والإنشائية, وعلى المستوى النحويّ يبدو اهتمامها جليّا بالجمل الاسميّة,
ولعلّ هذا لا ينفصل عن الاحتفال بإبراز الذات وأشجانها الخاصة, فقد أحصينا أكثر من خمسين جملة اسميّة في خمس قصائد فقط منها (قطع من الروح, عودة أبي, لحن الحياة……).
وقد
تفترش النثرية والحشو بعض أبياتها، مع أنّها اختارت الايقاع الخليليّ, بل
انحازت إلى بحور الشعر الصافية ومنها: الكامل, الرّمل, المتقارب, بل جاءت
معظم قصائدها على البحر الكامل, وهو بحر جهيرٌ في إيقاعه، صاف في جرسه, كما
نجد في أسلوبها القدرة على اقتناص الاستفهام الموجع, وإشعال المفارقات
المفجعة, ممّا يمنح قصائد الشاعرة عافية تبشر بالكثير من توقّد الشعر
وأنفاسه القادمة بإذن الله.



