ثقافة وتعليم

الشاعر سيد عبد الرحيم السيد نور .. والحنين إلى العمارة


في ليلة شتائية ممطرة وتحديدا شتاء 1996 وفي احدى الاماسي اليومية  التي
تعقد في منزلنا الواقع في مدينة الثورة (الصدر) فوالدي الشاعر والباحث
الفولكلوري الحاج عبدالحسن المفوعر السوداني وكان منزلنا منبرا ومنتدى
للثقافة والادب، رواده من مختلف الأجيال الرواد والشباب وفي جميع المجالات
شعراء وادباء وفنانون . في تلك الليلة بدأ والدي الحديث قائلا: (اليوم
الصبح نظمت بيت ابوذية)…

 زفيري اشما تذل ناري وجرها
             ومحد حمل هم روحي وجرها 
الدنيـا نوبه اجرني وجرها     
                           وعارجهه بلحم ذرعان اديه 


جاريت بيت الابوذية
لوالدي وكنت مترددا من قراءته في حينها، لاني كنت خائفا خاصة وانا في جلسة
تضم رواد وكبار الشعراء آنذاك أمثال الشاعر ملاجاسم الزيدي والشاعر قاسم
الفرطوسي والشاعر الحاج نعمة الفريجي (رحمهم الله) وآخرين ، لكني قررت ان
انشد بيتي من الابوذية قائلا:



 لظى بحشاي مايخمد وجرها
 وشيلن كل حزن روحك وجرها
يبويه الدنيا اجرك وجرها
             وانا الروحي حدر جدمك ضحيه 
وقال لي احد الجالسين
بقربي الذي اشاهده للمرة الأولى  بصوت جنوبي ولهجة ريفية جميلة (احسنت بويه
علاوي انت حفزتني وهسه جاريك انت وابوك بهذا البيت بس يواشك عليه)  رأيته
تناول ورقة وقلما واخذ يكتب تارة ويمسح أخرى وهو في انقطاع تام عن الجلسة
وما يدور بها من احاديث الشعر والشعراء الى ان تكلم وقال (حجي عبدالحسن هاك
جوابي لابوذيتك الأخيرة انت وعلاوي). 

الدنيا وين اخوها ون جرلها
         وحسب ظنك تجرني ون جرلها
أنا هالش لصيرن ون جرلها
                         وأطيح شراعها بثنين أديه


عرفت فيما بعد ان شاعر
بيت الابوذية الأخير هو الشاعر سيد عبد الرحيم السيد نور المولود في محافظة
العمارة (ميسان)  عام 1942 في قضاء الكحلاء بين البساتين والاهوار وجمال
الحياة الريفية وبساطتها،  أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة المهدي الريفية
في عام 1955 ، كتب الشعر وهو ابن السادسة عشرة من عمره، لتكن أولى قصائده
(قائد الحرية) للزعيم عبدالكريم قاسم بداية رحلته في عالم الشعر، ليشارك
بها في احتفالية كبيرة على ملعب العمارة عام 1959 وبحضور كبار الشخصيات
السياسية والأدبية آنذاك ومنها هذه الابيات. 

كريم تعيش ياقائد الحرية
              يوم 14 اشرق فجر ضيه
اسألك يابطلنا القائد المغوار 
يلي بعت دمك واطلبت بالثار
اشبه نهضتك نهضة علي الكرار
لكن ذاك هو قدرة  الهيه
 سؤالي لا تجهله ارجوك تنظر لي     
أمر ألي بديته شوگت تدرس بي
       بربع ساعة محيت العرش والراقي
وخليت العراق يصير فد نيه
من الجدير بالذكر ان والده السيد نور السيد جاسم (رحمه الله) كان شاعرا للابوذية ومن طراز خاص ومن ابوذياته.
ياگلبي اسكت ترى الوادم تملك
                    وبعد مالك من احبابك تملك
الغريب الجان بالبيده تملك
                    وأنا راعي الملك ضاعت عليه


انتقل السيد عبدالرحيم السيد نور الى بغداد عام 1960 فقال والده السيد نور (رحمه الله) متأثرا. 
 على الناس النحبهم سلمنه
                    الدمع لفراك شخصك سلمنه
 عسى ترجع يبويه سلمنه
                    الموت اشوه ولافراكگ اليه
فقال السيد عبدالرحيم  مرتجلا 
                   روحي اشتاگت وذكرت يهله
 مشيتو وين وابعدوا يهله
                   بگه بس ناظري ودمعه ويهله
 عليكم والليالي أوحشن بيه


 بعد اكماله للخدمة
العسكرية تم تعيينه في امانة بغداد عام 1970 حتى احيل على التقاعد عام 1987
لأسباب صحية عمل بعدها في الاعمال الحرة الا انه لم يشغله شاغل عن متابعة
ونظم الشعر الشعبي وحضور الامسيات ومجالسة كبار الشعراء، نظم الشعر الشعبي
في كل الوانه (الدارمي، الابوذيه، الموال) وغيرها له ديوان مطبوع عام 1973
بعنوان  من عيون التراث الشعبي) وديوانه الثاني (مضاجع كربلاء) طبع عام
2011 شارك في العديد من المهرجانات الشعرية ونال مؤخرا درع الابداع لعام
2017 في الاحتفالية التي اقامتها جمعية الشعراء الشعبيين لتكريم شعراء جيل
السبعينيات، في احدى قصائده يهزه الشوق والحنين الى مسقط رأسه العمارة، حيث
الاهل والأصدقاء وسني الطفولة ومن قصيدته بحق اهل ميسان يقول: 



أحبن كل اهل ميسان           
 أهل دلــه وأهــل فنجان
الــعمــاره الــعـمــاره                 
 المضيف الما طفت ناره 
ابكرمها الناس محتاره
           حبهم يجري بالشريان
اريد اوصفلك الكحلاه           
 شط العدل يا محلاه
مسقط راسي ما أنساه            
داري وتبقى الي عنوان
وتعجبني الميمونه              
 ألي طبها تكحل عيونه
شسولفلك على اهل الريف
       جنه بالشتا والصيف
طبعهم يخدمون الضيف          
عنبر والخضيري  وبني وگطان


شاعرنا سيد عبدالرحيم السيد نور يقول اني اجد نفسي هائما ومغرما بالابوذية فهي قريبة الى روحي واغلب كتاباتي في الأبوذية ومنها.
الجرح مالوم بيدگ گوم شده
                        عليك وما دريت شنزف شده
غبت يومين صارت علي شده
                         لاكن لو شهر شيصير بيه
 تگلي اصير على الدنيا ولك رب
                        ولا احصد ولا دوسن ولك رب
أخبرك دم البگلبي ولك رب
                        وبعد مايشتغل شريان بيه
الشعر مو بس حجي شهرة وكتبه
                  واگضي من العمر قترة وشهرة
إحساس وفكر للشاعر وكتبه
                        دمعته وصفنته يكتب قضيه
 الليالي وحگ عينگ شل همنه
        وغرگ مشحوف صبري شل همنه
يل تسال عليمن شل همنه
                       حدر گلبي جمر بظلوعي هيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى